صفحة رقم ٢٨٨
يشيعونها ويختلف، وأن ما كان من غيره تعالى فمختلف - وإن تحرى فيه متشبه - وإن دل عقله وتناهي نبله إلا أن استند عقله إلى ما ورد عن العالم بالعواقب، المحيط بالكوائن على لسان الرسل عليهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام، وإلى أن القياس حجة.
وأن تقليد القاصر للعالم واجب، وأن الاستنباط واجب على العلماء، والنبي ( ﷺ ) راس العلماء، وإلى ذلك يومي قوله تعالى :( ولو ردوه ) أي ذلك الأمر الذي لا نص فيه من قبل أن يتكلموا به ) إلى الرسول ) أي نفسه إن كان موجوداً، وأخباره إن كان مفقوداً ) وإلى أولي الأمر منهم ) أي المتأهلين لأن يأمروا وينهوا من الأمراء بالفعل أو بالقوة من العلماء وغيرهم ) لعلمه ) أي ذلك الأمر على حقيقته وهل هو مما يذاع أو لا ) الذين يستنبطونه ) أي يستخرجونه بفطنتهم وتجربتهم كما يستخرج الإنباط المياه ومنافع الأرض ) منهم ) أي من الرسول وأولي الأمر.
ولما كان التقدير : فلولا فضل الله عليكم ورحمته بالرسول وورّاث علمه لاستبيحت بإشاعاتهم هذه بيضة الدين واضمحلت أمور المسلمين ؛ عطف عليه قوله :( ولولا فضل الله عليكم ) أي أيها المتسمون بالإسلام بإنزال الكتاب وتقويم العقول ) ورحمته ( بإرسال الرسول ) لاتبعتم الشيطان ) أي المطرود المحترق ) إلا قليلاً ) أي منكم فإنهم لا يتبعونه حفظاً من الله سبحانه وتعالى بما وهبهم من صحيح العقل من غير واسطة رسول ؛ وهذه الآية من المواضع المستصعبة على الأفهام بدون توقيف على المراد بالفضل إلا عند من آتاه الله سبحانه وتعالى علماً بالمناسبات، وفهماً ثاقباً بالمراد بالسياقات، وفطنة بالأحوال والمقامات تقرب من الكشف، وذلك أن من المقرر أنه لا بد من مخالفة حكم المستثنى لهم تكون بأحد أمور ثلاثة كل منها فاسد، إما بأن والرحمة فاهتدوا، ومخالفة المستثنى لهم تكون بأحد أمور ثلاثة كل منها فاسد، إما بأن يعدموا الفضل فيتبعوه، ويلزم لعيه أن يكون الضال أقل من المهتدي، وهو خلاف المشاهد ؛ أو بأن يعدموه فلا يتبعوه، فيكونوا مهتدين من غير فضل ؛ أو بأن يوجد عليهم الفضل فيتبعوه، فيكونوا ضالين مع الفضل والرحمة اللذين كانا سبباً في امتناع الضلال عن المخاطبين.
فيكونا ن تراة مانعين، وتارة غير مانيعن، فلم يفيدا إذن مع أن أيضاً يلزم عليه أن يكون الضال أقل من المهتدي ؛ فإذا حمل الكلام على أن المراد بالفضل الإرسال وضح المعنى ويكون التقدير : ولولا إرسال الرسول لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً منكم، فإنهم لا يتبعونه من غير إرشاد الرسول، بل بهداية من الله سبحانه وتعالى وفضل بلا واسطة كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل ؛ والدليل على هذا المقدر أن السياق لرد الأشياء كلها إلى الرسول ( ﷺ )، والمنع من الاستقلال بشيء دونه،


الصفحة التالية
Icon