صفحة رقم ٢٩١
ولما كان كل من تحريض المؤمنين على الجهاد والشفاعة الحسنة من وادي ( من سنَّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) حَسُنَ اقترانهما جداً، والنصيب قدر متميز من الشيء يخص من هو له، وكذا الكفل إلا أن الاستعمال يدل على أنه أعظم من النصيب، ويؤيده ما قالوا من أنه قد يراد به الضعف، فكأنه نصيب متكف بما هو له من إسعاد وإبعاد ؛ قال أهل اللغة : النصيب : الحظ، والكفر - بالكسر : الضعف والنصيب والحظ، ومادة ( نصب ) يدور على العلم المنصوب، ويلزمه الرفع والوضع والتمييز والأصل والمرجع والتعب، فيلزمه الوجع، ومن لوازمه أيضاً الحد والغاية والجد الوقوف ؛ ومادة ( كفل ) تدور على الكفل - بتحريك وهو العجز أو ردفه، ويلزمه الصحابة واللين والرفق والتأخر ؛ وقال الإمام : الكفل هو النصيب الذي عليه يعتمد الإنسان في تحصيل المصالح لنفسه ودفع المفاسد عن نفسه، والمقصود هنا حصول ضد ذلك كقوله
٧٧ ( ) فبشرهم بعذاب اليم ( ) ٧
[ آل عمران : ٢١ والتوبة : ٣٤ والانشقاق : ٢٤ ] والغرض منه التنبيه على أن الشفاعة المؤدية إلى سيقوط الحق وقوة الباطل تكون عظيمة العقاب عند الله سبحانه وتعالى - انتهى.
وما غلظ هذا الزجر إلا للعلم بأن أكثر النفوس ميالة بأصحابها للشفاعة بالباطل.
ولما كان الأليق بالرغبة أن لا يقطع في موجبها وإن عظم بالحقية، ليكون ذلك زاجراً عن مقارفة شيء منها وإن صغر ؛ عبر في الحسنة بالنصيب، وفي السيئة بالكفل ؛ ويؤيد إرادة هذا أنه تعالى لما ذكر ما يوجب الجنة من الإيمان والتقوى، وكان في سياق الوعظ لأهل الكتاب الذين هم على شرع أصله حق بتشريع رسول من عند الله، فتركهم لذلك بعيد يحتاج إلى زيادة ترغيب ؛ عبر بالكفل فقال تعالى :
٧٧ ( ) ياأيها الذين آمنوا تقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ( ) ٧
[ الحديد : ٢٨ ] إلى آخرها.
ولما كان نصيب مبهماً بالنسبة إلى علمنا لتفاوته بالنسبة إلى قصور الشافعين، وإقدامهم على الشفاعة على علم أو جهل وغير ذلك مما لا يمكن الإحاطة به إلا الله سبحانه وتعالى علماً وقدرة ؛ قال تعالى مرغباً ومرهباً :( وكان الله ) أي ذو الجلال والإكرام ) على كل شيء ( من الشافعين وغيرهم وجزاء الشفاعة ) مقيتاً ) أي حفيظاً وشهيداً وقديراً على إعطاء ما يقوت من أخلاق النفوس وأحوال القلوب وأرزاق الأبدان وجميع ما به القوام جزاء وابتداء من جميع الجهات، وعلى تقدير ما يستحق كل أحد من الجزاء على الشفاعة وكل خير وشر.