صفحة رقم ٢٩٣
علل ذلك بقوله دالاً على تلازم التوحيد والعدل :( الله ) أي الذي لا مثل له ) لا إله إلا هو ) أي وقد أمركم بالعدل في الشفاعة والسلام، فإن لم تفعلوه - لما لكم من النقائص التي منها الحساب ولا غيره، ولا يخفى عليه شيء فالحكم على البواطن إنما هو له تعالى، وأما أنتم فلم تكلفوا إلا بالظاهر.
ولما تبين أنه لا معارض له أنتج قوله مبيناَ لوقت الحساب الأعظم :( ليجمعنكم ( وأكده باللام والنون دلالة على تقدير القسم لإنكار المنكرين له، ولما كان التدريج بالإماتة شيئاً فيئاً، عبر بحرف الغاية فقال :( إلى يوم القيامة ( والهاء للمبالغة، ثم آكده بقوله :( لا ريب فيه ) أي فيفصل بينكم وبين من أخبركم بهم من المنافقين ونقد أحوالهم وبين محالهم، فيجازي كلاً بما يستحق.
ولما كان التقدير : فمن أعظم من الله قدرة عطف عليه قوله :( ومن أصدق من الله ) أي الذي له الكمال كله فلا شوب نقص يلحقه ) حديثاً ( وهو قد وعد بذلك لأنه عين الحكمة، وأقسم عليه، فلا بد من وقوعه، وإذ قد تحرر بما مضى أن المنافقين كفرة، لا لبس في أمرهم، وكشف سبحانه وتعالى الحكم في باطن أمرهم بالشفاعة وظاهرة بالتحية، وحذر من خالف ذلك بما أوجبته على نفسه حكمته من الجمع ليوم الفصل للحكم بالعدل، وختم بأن الخبر عنهم وعن جميع ذلك صدق ؛ كان ذلك سبباً لجزم القول بشقاوتهم والإعراض عنهم والبعد عن الشفاعة فيهم، والإجماع على ذلك من كل مؤمن وإن كان مبنى السورة على التواصل، لأن ذلك إنما هو حيث لا يؤدي إلى مقاطعة أمر الله، فقال تعالى مبكتاً لمن توقف عن الجزم بإبعادهم :( فما لكم ( أيها المؤمنون ) في المنافقين ) أي أيّ شيء لكم من أمور الدنيا أو الآخرة في افتراقكم فيها ) فئتين ( بعضكم يشتد عليهم وبعضكم يرفق بهم.
ولما كان هذا ظاهراً في بروز الأمر المطاع بين القول بكفرهم وضحه بقوله ؛ ) والله ) أي والحال أن الملك الذي لا أمر لأحد معه ) أركسهم ) أي ردهم منكوسين مقلوبين ) بما كسبوا ) أي بعد إقرارهم بالإيمان من مثل هذه العظائم، فاحذروا ذلك ولا تختلفوا في أمرهم بعد هذا البيان ؛ وفي عزوة أحد والتفسير من البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال :( لما خرج النبي ( ﷺ ) إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي ( ﷺ ) فرقتين : فرقة تقول : نقاتلهم، وفرقة تقول : لا نقاتلهم، فنزلت :( فما لكم في المنافقين ( - الآية، وقال : إنها طيبة تنفي الذنوب وفي رواية :-