صفحة رقم ٣١٠
وأفضل مجليات القلوب ومهذبات النفوس، لأنها مشتملة على مجامع الذكر
٧٧ ( ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ( ) ٧
[ العنكبوت : ٤٨ ] فقال :( فإذا اطمأننتم ) أي عما كنتم فيه من الخوف ) فأقيموا الصلاة ) أي فافعلوها قائمة المعالم كلها على الحالة التي كنتم تفعلونها قبل الخوف ؛ ثم علل الأمر بها في الأمن والخوف والسعة والضيق سفراً أو حضراً بقول :( إن الصلاة ( مظهراً لما اكن الأصل فيه الإضمار تنيبهاً على عظيم قدرها بما للعبد فيها من الوصلة بمعبوده ) كانت على المؤمنين كتاباً ) أي هي - مع كونها فرضاً - جامعة على الله جمعاً لا يقارنها فيه غيره ) موقوتاً ) أي وهي - مع كونها محدودة - مضبوطة بأوقات مشهورة، فلا يجوز إخراجها عنها في أمن ولا خوف فوت - بما أشارت إليه مادة وقت للأبدان بما تسبب من الأرزاق.
وللقلوب بما تجلب من المعارف والأنوار.
ولما عرف من ذلك أن آيات الجهاد في هذه السورة معلمة للحذر خوف الضرر، مرشدة إلى إتقان المكائد للتخلص من الخطر، وكان ذلك نمظنة لمتابعة النفس والمبالغة فيه، وهو مظنة للتواني في أمر الجهاد ؛ أتبع ذلك قوله تعالى منبهاً على الجد في أمره، وأنه لم يدع في الصلاة ولا غيرها ما يشغل عنه، عاطفاً على نحو : فافعلوا ما أمرتكم به، أو على ) فأقيموا الصلاة ( :( ولا تهنوا ) أي تضعفوا وتتوانوا بالاشتغال بذكر ولا صلا، فقد يسرت ذلك لكم تيسيراً لا يعوق عن شيء من أمر الجهاد ) في ابتغاء القوم ) أي طلبهم بالاجتهاد وإن كانوا ي غاية القوم والقيام بالأمور ؛ ثم علل ذلك بقوله :( إن تكونوا تألمون ) أي يحصل لكم ألم ومشقة بالجهاد من القتل وما دونه ) فإنهم يألمون كما تألمون ) أي لأنهم يحصل لهم من ذلك ما يحصل لكم، فلا يكونن على باطلهم اصبر منكم على حقكم.
ولما بين ما يكون مانعاً لهم من الوهن دونهم، لأنه مشترك بينهم ؛ بيّن ما يحملهم على افقدام لاختصاصه به فقال :( وترجون ) أي أنتم ) من الله ) أي الذي له جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى ) ما لا يرجون ) أي من النصر والعزم والكرم واللطف، لأنكم تقاتلون فيه وهم يقاتلون في الشيطان، وهذا لكل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء كان ذلك في جهاد الكفار أو لا.
ولما كان العلم مبنى كل خير، وكانت الحكمة التي هي نهاية العلم وغاية القدرة مجمع الصفات العلى قال تعالى ؛ ) وكان الله ) أي الآمر لكم بهذه الأوامر وهو المحيط بكل شيء ) عليماً ) أي بالغ العلم فهو لا يأمر إلا بما يكون بالغ الحسن مصلحاً للدين والدنيا ) حكيماً ( فهو يتقن لمن يأمره الأحوال، ويسدده في المقال والفعال، فمن علم منه خيراً أراده ورقاه في درج السعادة، ومن علم منه شراً كاده فنكس مبدأه ومعاده.