صفحة رقم ٣٢٤
ما يتعارفه الناس وإلا فالله تعالى له أن يفعل ما يشاء، فإن مِلكه ومُلكه عام، لا يتصور منه ظلم كيف ما لعل.
ولما كشف سبحانه زورهم وبيَّن فجورهم، أنكر أن يكون أحد أحسن ديناً ممن اتبع ملة إبراهيم الذي يزعمون أنه كان على دينهم زعماًَ تقدم كشف عواره وهتك أستاره في آل عمران، فقال عاطفاً على ماتقديره : فمن أحسن دائناً ومجازياً وحاكماً منه سبحانه وتعالى :( ومن أحسن ديناً ( أو يكون التقدير : لأنهم أحسنوا في دينهم ومن أحسن ديناً منهم لكنه أظهر الوصف تعميماً وتعليقاً للحكم به وتعليماً لما يفعل يفعل المؤمن وحثاً عليه فقال :( ممن أسلم ) أي أعطى.
ولما كان المراد الإخلاص الذي هو أشرف الأشياء، عبر عنه بالوجه الذي هو أشرف الأعضاء فقال :( وجهه ) أي قياده، أي الجهة التي يتوجه إليها بوجهن أي قصده كله الملازم للإسلام نفسه كلها ) لله ( فلا حركة له سكنة إلا فيما يرضاه، لكونه الواحد الذي لا مثل له، فهو حصر بغير صيغة الحصر، فأفاد فساد طريق من لفت وجهه نحو سواه باستعانة أو غيرها ولا سيما المعتزلة الذين يرون الطاعة من أنفسهم، ويرون أنها موجبة لثوابهم، والمعصية كذلك وأنها موجبة لعقابهم، في الحقيقة لا يرجون إلا أنفسهم، ولا يخافون غيرها ؛ وأهل السنة فوّضوا التدبير والتكوين والخلق إلى الحق، فهم المسلمون.
ولما عبر تعالى عن كمال الإعتقاد بالماضي، شرط فيه الدوام والأعمال الظاهرة بقوله :( وهو ) أي والحال أنه ) محسن ) أي مؤمن مراقب، لا غفلة عنده أصلاً، بل الإحسان صفة له راسخة، لأنه يعبد اله كأنه يراه، فقد اشتملت هذه الكلمات العشر على الدين كله أصلاً وفرعاً مع الترغيب بالمدح الكامل لمتبعه وإفهام الذم الكامل لغيره.
ولما كان هذا ينتظم مَنَ كان على دين أي نيب كان قبل نسخه، قيده بقوله :( واتبع ) أي بجهد منه ) ملة إبراهيم ( الذي اشتهر عند جميع الطوائف أنه ما دعا إلا إلى الله سبحانه وتعالى وحده، وتبرأ مما سواه من فلك وكوكب وصنم وطبيعة وغيرها حال كون ذلك المتبع ) حنيفاً ) أي ليناً سهلاً ميّالاً مع الدليل، والملة : ما دعت إليه الفطرة الأولى بمساعدة العقل السليم من كمال الإسلام بالتوحيد.
ولما كان التقدير ترغيباً في هذا الاتباع : فقد جعل الله سبحانه وتعالى ملة إبراهيم أحسن الملل، وخلقه يوم خلقه حنيفاً، عطف عليه قوله :( واتخذ الله ) أي الملك الأعظم أخذ من معين بذلك مجتهد فيه ) إبراهيم خليلاً ( لكونه كان حنيفاً،


الصفحة التالية
Icon