صفحة رقم ٣٢٦
البراهين وسطعت الحجج، وكان من أعظم مقاصد السورة العدل في الضعفاء من الأيتام وغيرهم في الميراث وغيره، وكان توريث النساء والأطفال - ذكوراً كانوا أو إناثاً - مما أبته نفوسهم، وأشربت بغضه قلوبهم، وكان التفريق في إثبات ما هذا سبيله أنجع، وإلقاؤه شيئاً فشيئاً في قوالب البلاغة أنفع ؛ وصل بذلك قوله تعالى :( ويستفتونك ( في جملة حالية من اسم الجلالة التي قبلها، أي له ما ذكر فلا مساغ للاعتراض عليه والحال أنهم يسألونك طلباً لأن تتفتى عليهم بالجواب في بعض ما أعطى من ملكه لبعض مخلوقاته ) في النساء ( طمعاً في الاستئثار عليهم بالمال وغيره محتجين بأنه لا ينبغي أن يكون المال إلا لمن يحمي الذمار والحال أنهم قد عبدوا من دونه إناثاً، وجعلوا لهم مما خولهم فيه من الرزق الذي ملكهم له بضعف من الحرث والأنعام نصيباً، فلا تعجب من حال من كرر الاستفتاء - الذي لا يكون في العرف غالباً إلا فيما فيه اعتراض - في إناث أحياء وأطفال ذكور وأعطاهم المِلك التام المُلك العظيم المِلك بعض ما يريد، ولم يعترض على نفسه حيث أعطى إناثاً لا حياة لها ولا منفعة مما في يده، وملكه في الحقيقة لغيره، ولم يأذن فيه المالك ما لا ينتفع به المعطي.
ولما كان المقام بكثرة الاستفتاء محتاجاً إلى زيادة الاعتناء قال :( قل الله ( آمراً معبراً بالاسم الأعظم منبهاً على استحضار ما ذكر أول السورة ) يفتيكم ) أي يبين لكم تجدد فيكم تلاوته إلى آخر الدهر سيفاً قاطعاً وحكماً ماضياً جامعاً ) في الكتاب ) أي فيما سبق أول السورة في قوله :( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء (، وغير ذلك ) في يتامى النساء ) أي في شأن التيامى من هذا الصنف ) الاّتي لا تؤتونهن ) أي بسبب التوقف في ذلك وتكرير الاستفتاء عنه ) ما كتب لهن ) أي ما فرض من الميراث وسائر الحقوق فرضاً وهو في غاية اللزوم ) وترغبون أن ) أي في أن أو عن أن ) تنحوهن ( لجمالهن أو لدمامتهن ) و ( يفتيكم في ) المستضعفين ) أي الموجود ضعفهم والمطلوب إضعافهم، يمنعهم حقوقهم ) من الولدان ( ولما كان التقدير ؛ في أن تقوموا لهم بالقسط، أي في ميراثهم وسائر حقوقهم ولا تحقروهم لصغرهم ؛ عطف عليه قوله :( وأن تقوموا ) أي تفعلوا فيه من القوة والمبادرة فعل القائم المنشط ) لليتامى ( من الذكور والإناث ) بالقسط ) أي بالعدل من الميراث وغيره.
ولما كان التقدير : فما تفعلوا في ذلك من شر فإن الله كان به عليماً وعليكم قديراً ؛ عطف عليه قوله ترغيباً :( وما تفعلوا من خير ) أي في ذلك أو في غيره ) فإن


الصفحة التالية
Icon