صفحة رقم ٣٤
من منزل الوحي، وكما أبان فيه فرقان الوحي أبان فيه أيضاً فرقان الخلق وما اشتبه من أمر الدنيا والآخرة ووام التبس على أهل الدنيا من أمر الخلق بلوائح آيات الحق عليهم، فتبين في الفرقان محكم الوحي من متشابهه، ومحكم الخلق من متشابهه وكان متشابه الخلق هو المزين من متاع الدنيا، ومحكم الخلق هو المحقق من دوام خلق الآخرة، فاطلع نجم هذه الآية لإنارة غلس ما بنى عليه أمر التوراة من إثبات أمر الدنيا لهم وعداً ووعيداً، لتكون هذه الآية تطئة لتحقيق صرف النهي عن مد اليد والبصر إلى ما متع به أهلها، فأنبأ تعلاى أن متاع الدنيا أمر مزين، لا حقيقة لزينته ولا حسن لما وراء زخرفة فقال :( زين للناس ( فأبهم المزين لترجع إليه ألسنة التزيين مما كانت في رتبة علو أو دنو، وفي إناطة التزيين بالناس دون الذين آمنوا ومن فوقهم إيضاح لنزول سنهم في أسنان القولب وأهم ملوك الدنيا وأتباعهم ورؤساء القبائل وأتباعهم الذين هم أهل الدنياد ) حب الشهوات ( جمع شهوة، وهي نزوع النفس إلى محسوس لا تتمالك عنه - انتهى.
وفي هذا الكلام إعلام بأن الذي وقع لعيه التزين الحب، لا الشيء المحبوب، فصار اللازم لأهل الدنيا إنما هو محبة الأمر الكلي من هذه المسميات وربما إذا تشخص في الجزئيات لم تكن تلك الجزئيات محبوبة لهم، وفيه تحريك لهمم أهل الفرقان إلى العلو عن رتبة الناس الذين أكثرهم لا يعلمون ولا يشكرون ولا يعقلون، ثم بين ذلك بما هو محط القصد كله، وآخر العمل من حيث إن الأعلق بالنفس حب أنثاها التي هي منها
٧٧ ( ) خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ( ) ٧
[ النساء : ١ ] فقال :( من النساء ) أي المبتدئة منهن، وأتبعه ما هو منه أيضاً وهو بينه وبين الأنثى فقال :( والبنين ( قال الحرالي : وأخفى فتنة النساء بالرجال ستراً لهن، كما أخفى أمر حواء في ذكر المعصية لآدم حيث قال :
٧٧ ( ) وعصى آدم ربه ( ) ٧
[ طه : ١٢١ ] فأخفاهن لما في ستر الحرم من الكرم، والله سبحانه وتعالى حي كريم - انتهى.
ثم أتبع ذلك ما يكمل به أمره فقال :( والقناطير ( قال الحرالي : جمع قنطار، يقال : هو مائة رطل ويقال : إن الرطل اثنتا عشرة أوقية، والأوقية أربعون درهماً، والدرهم خمسون حبة وخمساً من حب الشعير، وأحقه أن يكون من شعير المدينة ) المقطنرة ) أي المضاعفة مرات - انتهى.
ثم بينها بقوله :( من الذهب والفضة ( ثم أتبعها الزينة الظاهرة التي هي أكبر الأسباب في تحصيل الأموال فقال :( والخيل ( قال الحرالي : اسم جمع لهذا الجنس المجبول على هذا الاختيال لما خلق له من الاعتزاز به وقوة المنة في الافتراس عليه الذي منه سمي واحدة فرساً ) المسومة ) أي المعلمة بأعلام هي سمتها وسيماها التي تشتهر بها جودتها، من السومة - بضم السين، وهي العلامة التي تجعل على الشاة لتعرف بها، وأصل السوم


الصفحة التالية
Icon