صفحة رقم ٣٤٦
) فأخذتهم ) أي عقب هذا السؤال وبسببه من غير إمهال أخذ قهر وغلبة ) الصاعقة ) أي نار نزلت من السماء بصوت عظيم هو جدير بأن لا يسمى غيره - إذا نسب إليه - صاعقة، فأهلكتهم ) بظلمهم ) أي بسبب ظلمهم بهذا السؤال وغيره، لكونه تعنتاً من غير مقتض له أصلاً، وبطلب الرؤية على وجه محال وهو طلب الإحاطة ) ثم ( بعد العفو عنهم وإحيائهم من إماتة هذه الصاعة ) اتخذوا العجل ) أي تكلفوا أخذه وعتوا أنفسهم باصطناعه.
ولما كان الضال بعد فرط البيان أجدر بالتبكيت قال :( من بعد ( وأدخل الجار إعلاماً بأن اتخاذهم لم يستغرق زمان البعد، بل تابوا عنه ) ما جاءتهم البينات ) أي بهذا الذنب العظيم بتوبتنا عليهم من غير استئصال لهم ) وآتينا ) أي بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة ) موسى سلطاناً ) أي تسلطاًَ واستيلاء قاهراً ) مبيناً ) أي ظاهراً فإنه أمرهم بقتل أنفسهم فبادروا الامتثال بعد ما ارتكبوا من عظيم هذا الضلال، وفي رمز ظاهر إلى أنه سبحانه وتعالى يسلط محمداً ( ﷺ ) على كل من يعاند أعظم من هذا التسليط.
النساء :( ١٥٤ - ١٥٥ ) ورفعنا فوقهم الطور.....
) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ( ( )
ولما بيَّن هذا من عظمته أتبعه أمراً آخر أعظم منه فقالك ) ورفعنا ) أي بعظمتنا ؛ ولما كان قد ملأ جهة الفوق بأن وارى جميع أبدانهم ولم يسلم أحد منهم من ذلك ؛ نزع الجار فقال :( فوقهم الطور ) أي الجبل العظيم، ثم ذكر سبب رفعه فقال :( بميثاقهم ) أي حتى التزموه وأذعنوا له وقبلوه.
ولما ذكر الميثاق على هذا الوجه العجيب أتبعه ما نقضوا فيه على سهولته دليلاً على سوء طباعهم فقال :( وقلنا لهم ) أي بما تكرر لهم من رؤية عظمتنا ) وقلنا لهم ) أي على لسان موسى عليه الصلاة والسلام في كثير من التوراة ) لا تعدوا ) أي لا تتجاوزوا ما حددناه لكم ) في السبت ) أي لا تعملوا فيه عملاً من الأعمال - تسمية للشيء باسم سببه سمي عدواً لأن العالم للشيء يكون لشدة إقباله عليه كأنه يعدو ) وأخذنا منهم ) أي في جميع ذلك ) ميثاقاً غليظاً ( وإنما جزمت بأن المراد بهذا - والله تعالى أعلم - على لسان موسى عليه الصلاة والسلام، لأنه تعالى كرر التأكيد عليهم