صفحة رقم ٣٦٦
فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ؛ وروى عن ابن عباس ومحمد بن علي المشهور بابن الحنفية رضي الله عنهم أن المعنى : ألا ليؤمنن بعيسى عليه الصلاة والسلام قبل موت ذلك الكتابي عند الغرغرة حين لا ينفعه الإيمان، ليكون ذلك زيادة في حسرته، قال الأصبهاني : وتدل على صحة هذا التأويل قراءة أبيّ : ليؤمنن قبل موتهم - بضم النون.
ولما أخبر تعالى عن حالهم معه في هذه الدار أتبعه فعله بهم في تلك فقال :( ويوم القيامة ) أي الذي يقطع ذكره القلوب، ويحمل التفكر فيه على كل خير ويقطع عن كل شر ) يكون ( وأذن بشقائهم بقوله :( عليهم شهيداً ) أي بما عملوا ؛ ولما أذن حرف الاستعلاء في الشهادة بأنه لا خير لهم في واحد من الدارين، وبأن التقدير : فبظلمهم، سبب عنه قوله دلالة على أن التوراة نزلت منجمة :( فبظلم ) أي عظيم جداً راسخ ثابت، وهو جامع لتفصيل نقض الميثاق وما عطف عليه مما استحلوه بعد أن حرمته التوارة، وقال مشيراً إلى زيادة تبكيتهم :( من الذين هادوا ) أي تلبسوا باليهودية في الماضي ادعاء أنهم من أهل التوراة والرجوع إلى الحق، ولم يضمر تعييناً لهم زيادة في تقريعهم ) حرمنا عليهم طيبات أحلت ) أي كان وقع إحلالها في التوراة ) لهم ( كالشحوم التي ذكرها الله تعالى في الأنعام.
ولما ذكر ظلمهم ذكر مجامع من جزئياته، وبدأها بإعراضهم عن الدين الحق، فقال معيداً للعامل تأكيداً له :( وبصدهم عن سبيل الله ) أي الذي لا أوضح منه ولا أسهل ولا أعظم، لكون الذي نهجه له من العظمة والحكمة ما لا يدرك، و ( صد ) يجوز أن يكون قاصراً فيكون ) كثيراً ( صفة مصدر محذوف، وأن يكون متعدياً فيكون مفعولاً به، أي وصدهم كثيراً من الناس بافضلال عن الطريق، فمُنِعوا مستلذات تلك المآكل بما مَنَعوا أنفسهم وغيرهم من لذاذة الإيمان.
ولما ذكر امتناعهم ومنعهم من المحاسن التي لا أطيب منها ولا أشرف، أتبعه إقدامهم على قبائح دنية فيها ظلمهم للخلق فقال :( وأخذهم الربا ) أي وهو قبيح في نفسه مُزرٍ بصاحبه ) وقد ) أي الحال أنهم قد ) نهوا عنه ( فضموا إلى مخالفة الطبع السليم الاجتراء على انتهاك حرمة الله العظيم.
ولما ذكر الربا أتبعه ما هو أعم منه فقال :( وأكلهم أموال الناس بالباطل ) أي سواء كانت رباً أو رشوة أو غيرهما ؛ ولما ذكر بعض ما عذبهم به في الدنيا أتبعه جزاءهم في الآخرة، فقال عاطفاً على قوله ( حرمنا ) :( وأعتدنا للكافرين ) أي الذين صار الكفر لهم صفة راسخة فماتوا عليه ؛ ولما علم أن منهم من يؤمن فيدخل الجنة