صفحة رقم ٣٩
كذبوا، ففي شمول ذكر الذنوب في الصنفين بإجراء قدر الذنوب على الجميع، فما كان منها مع التكذيب أخذ به، وما كان منها مع التقوى والإيمان غفر له - انتهى.
ولما رتب سبحانه وتعالى الغفران على التقوى ابتداء رتب عليها الوقاية انتهاء فقال :( وقنا عذاب النار ) أي الذي استحققناه بسوء أعمالنا.
قال الحرالي : ولما وصف تقوى قلوبهم باطناً وأدب مقالهم ظاهراً وصف لهم أحوال أنفسهم ليتطابق ظاهر أمرهم بمتوسطه وباطنه فقال :( الصابرين ( فوصفهم بالصبر إشعاراً بما ينالهم من سجن الدنيا وشدائدها، والصبر أمدح أوصفاف النفس، به تنجس عن هواها وعما زين من الشهوات المذكورة بما تحقق من الإيمان بالغيب الموجب لترك الدنيا للآخرة فصبروا عن الشهوات ؛ أما النساء فبالاقتصار على ما ملكوه وأما البنون فبمراعاة أن ما تقدم خير مما تأخر، قال ( ﷺ ) - يعني فيما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه ( لسقط أقدمه بين يدي أحب إليَّ من فارس أخلفه خلفي ) وأما الذهب والفضة فبالنظر إليها أصناماً يضر موجودها، وبالحري أن ينال منها السلامة بنفقة لا يكاد يصل إنفاقها إل أن يكون كفارة كسبها وجمعها، فكان الصبر عنها أهون من التخلص منها ؛ وأما الخيل فلما يصحبها من التعزز الممد لخيلاء النفس الذي هو أشد ما على النفس أن تخرج عن زهوها وخيلائها إلى احتمال الضيم والسكون بحب الذل، يقال : إنه آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرئاسة ؛ وأما الأنعام فبالاقتصار منها على قدر الكفاف، لأن كل مستزيد تمولاً من الدنيا زائداً على كفاف منه من مسكن أو ملبس أو مركب أو مال فهو محجر على من سواه من عباد الله ذلك الفضل الذي هم أحق به منه، قال ( ﷺ ) :( لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد ) الحديث
٧٧ ( ) وإن شيء إلا عندنا خزائنة وما ننزله إلا بقدر معلوم ( ) ٧
[ الحجر : ٢١ ] ؛ وأما الحرث فبالاقتصار منه على قدر