صفحة رقم ٤٠٠
[ البقرة : ٢٣٨ ] كما مضى بالمحل الذي هي به، لما كان ذلك كذلك ختمت هذه الآية بقوله تعالى منفرداً من نكاحهن بعد إحلاله، إشارة إلى أن الورع ابتعد عنه، امتثالاً للآيات الناهية عن موادة المحاد لئلا يحصل ميل فيدعو إلى المتابعة، أو يحصل ولد، فتستميله لدينها :( ومن ) أي أحل لكم ذلك والحال أنه من ) يكفر ) أي ويوجد ويجدد الكفر على وجه طمأنينة القلب به والاستمارا عليه إلى الموت ) بالإيمان ) أي بسبب التصديق القلبي بكل ما جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب، الذي منه حل الكتابيات، فيدعوه ذلك إلى نكاحهن، فتحمله الخلطة على اتباع دينهن، فيكفر بسبب ذلك التصديق فيكفر بالصلاة التي يلزم من الكفر بها الكفر به، فإطلاقه عليها تعظيم لها
٧٧ ( ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( ) ٧
[ البقرة : ١٤٣ ] أي صلاتكم ) فقد حبط ) أي فسد ) عمله ) أي إذا اتصل ذلك بالموت بدليل قوله :( وهو في الآخرة من الخاسرين ( والآية من أدلة إمانا الشافعي على استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه، فحيث قصد التحذير من الكفر حقيقة فالإيمان حقيقة وحيث أريد الترهيب من إضاعة الصلاة فهو مجاز، ومما يؤيد ذلك أن في السفر الثاني من التوراة : لا تعاهدن سكان الأرض لكيلا تضلوا بأوثانهم، وتذبحوا لآلهتهم، أو يدعوك فتأكل من ذبائحهم، وتزوج بنيك من بناتهم وبناتك من بنيهم، فتضل بناتك خلف آلهتهم ويضل بنوك بىلهتهم، وقال في الخامس منها : وإذا أدخلكم الله ربنا الأرض التي تدخلونها لترثوها، وأهلك شعوباً كثيرة من بين أيديكم : حتانيين وجرجسانيين وأمورانيين وكنعانيين وفرزانيين وحاوانيين ويابسانيين.
سبعة شعوب أكثر وأقوى منكم، ويدفعهم الله ربكم في أيديكم فاضربوهم واقتلوهم وانفوهم وحرموهم ولا تعاهدوا عهداً ولا ترحموهم، وتحاشوهم ولا تزوجوا بناتكم من بنيهم، ولا تزوجوا بنيكم من بناتهم لئلا يغوين بنيكم عن عبادتي، ويخدعنهم فيعبدوا آلهة أخرى، ويشتد غضب الرب عليكم ويهلككم سريعاً، ولكن اصنعوا بهم هذا الصنيع : استأصلوا مذابحهم، وكسروا أنصابهم، وحطموا أصنامهم المصبوغة، وأحرقوا أوثانهم المنحوتة، لأنكم شعب طاهر لله ربكم - انتهى.
وإذا تأملت جميع ذلك، وأمعنت فيه النظر لاح لك سرُّ تعقيبها بقوله تعالى في سياق مشير إلى البشارة بأن هذه الأمة تطيع ولا تعصى فتؤمن ولا تكفر، لما خص به كتابها من البيان الأتم في النظم المعجز مع شرف التذكير بما أفاضه من شرف جليل الأيادي، فاتتح هذه السورة بالأمر باوفاء بحق الربوبية، وأتبعه التذكير بما وفى به سبحانه من حق الربوبية من نوع المنافع في لذة المطعم وتوابعه ولذة المنكح وتوابعه، وقدم المطعم لأن الحاجة إليه فوق الحاجة إلى المنكح، فلما أتم ما ألزمه نفسه الأقدس من عهد الربوبية فضلاً منه، أتبعه الأمر بالوفاء بعهد العبودية، وقدم


الصفحة التالية
Icon