صفحة رقم ٤١
المزكي، لأن المزكي يخرج ما وجب عليه فرضاً، والمنفق يجود بما في يده فضلاً - انتهى.
ولما ذكر هذه الأعمال الزاكية الجامعة العالية أتبعها الإشارة إلى أن الاعتراف بالعجز عن الوفاء بالواجب هو العمدة في الخلاص :( والمستغفرين ) أي من نقائصحهم مع هذه الأفعال والأحوال التي هي نهاية ما يصل إليه الخلق من الكمال ) بالأسحار ( التي هي أشق الأوقات استيقاظاً عليهم، وأحبها راحة لديهم، وأولاها بصفات القلوب، وأقربها إلى الإجابة المعبر عنها في الأحاديث بالنزول ما يأتي بيانه في آية التهجد في سورة الإسراء.
قال الحرالي : وهو جمع سحر، وأصل معناه التعلل عن الشيء بما يقاربه ويدانيه ويكون منه بوجه ما، فالوقت من الليل الذي يتعلل فيه بدنو الصباح هو السحر، ومنه السحور، تعلل عن العداء ؛ ثم قال : وفي إفهامه تهجدهم في الليل كما قال سبحانه وتعالى :
٧٧ ( ) كانوا قليلاً من الّيل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ( ) ٧
[ الذاريات : ١٧، ١٨ ] فهم يستغفرون من حسناتهم كما يستغفر أهل السيئات من سيئاتهم تبرؤاً من دعوى الأفعال ورؤية الأعمال التئاماً بصدق قولهم في الابتداء :( ربنا إننا آمنا ( وكمال الإيمان بالقدر خيره وشره، فباجتماع هذه الأوصاف السبعة من التقوى والإيمان والصبر والصدق والقنوت والإنفاق والاستغفار كانت الآخرة خيراً لهم من الدنيا وما فيها، وقد بان بهذا محكم آيات الخلق من متشابهها بعد الإعلام بمحكم آيات الأمر ومتشابهها، فبتم بذلك منزل الفرقان في آيات الوحي المسموع والكون المشهود - انتهى.
ولعله سبحانه وتعالى أشار بهذه الصفات الخمس المتعاطفة إلى دعائم الإسلام الخمس، فأشار بالصبر إلى الإيمان، وبالصدق إلى الزكاة المصدقة لدعواه، وبالقنوت الذي مدار مادته على الإخلاص إلى الصلاة التي هي محل المراقبة، وبالإنفاق إل الحج الذي أعظم مقوماته المال، وبالاستغفار إلى الصيام الذي مبناه التخلي من أحوال البشر والتحلي بحلية الملك لا سيما في القيام ولا سيما في السحر ؛ وسر ترتبيها أنه لما ذكر ما بين العبد والخالق في التوحيد الذي هو العدول أتبعه ما بينه وبين الخلائق في الإحسان، ولما ذكر عبادة القلب والمال ذكر عبادة البدن الدالة على الإخلاص في الإيمان، ولما ذكر عبادة البدن مجرداً بعد عبادة المال مجرداً ذكر عبادة ظاهرة مركبة منهما، شعارها تعرية الظاهر، ثم أتبعه عبادة بدنية خفية، عمادها تعرية الباطن، فختم بمثل ما بدأ به، وهو ما لا يطلع عليه حق الاطلاع إلا الله سبحانه وتعالى.
ولما أخبر سبحانه وتعال بوحدانيته في أول السورة واستدل عليها وأخبر عما أعد