صفحة رقم ٤١٦
لأن الذهب الخالص يكون ليناً، والمغشوش يكون فيه يبس وصلابة، وكل لين قابل للصلاح بسهولة، ثم بين قساوتها بما دل على نقضهم بقوله :( يحرّفون الكلم ) أي يجدون كل وقت تحريفه ) عن مواضعه ( فإنهم كلما وجدوا شيئاً من كلام الله يشهد بضلالهم حرفوه إلى شهواتهم، وأولوه التأويل الباطل بأهوائهم، فهم يحرفون الكلم ومعانيها.
ولما كانوا قد تركوا أصلاً ورأساً ما لا يقدرون لصراحته على تحريفه، قال معبراً بالماضي إعلاماً بحرمهم بالبراءة من ذلك :( ونسوا حظاً ) أي نصيباً نافعاً معلياً لهم ) مما ذكروا به ) أي من التوراة على ألسنة أنبيائهم عيسى ومن قبله عليهم السلام، تركوه ترك الناسي للشيء لقلة مبالاته به بحيث لم يكن لهم رجوع إليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية.
ولما ذكر سبحانه ما يفعلونه في حقه في كلامه الذي هو صفته، أتبعه ما يعم حقه وحق نبيه ( ﷺ ) على وجه معلم أن الخيانة ديدنهم، تسلية له ( ﷺ ) فقال :( ولا تزال ) أي بما نطلعك عليه يا أكرم الخلق ) تطلع ) أي تظهر ظهوراً بليغاً ) على خائنة ) أي خاينة عظيمة تستحق أن تسمي فاعلها الخؤون لشدتها و ) منهم ) أي في حقك بقصد الأذى، وفي حق الله تعالى بإخفاء بعض ما شرعه لهم ) إلا قليلاً منهم ( فإنهم يكونون على نهج الاستقامة إما بالإيمان، وإما بالوفاء وهم متمسكون بالكفر، ثم سبب عن هذا الذي في حقه ( ﷺ ) قوله :( فاعف عنهم ) أي امح ذنبهم ذلك اجترحوه، وهو دون النقض والتحريف فلا تعاقبهم عليه.
ولما كان العفو لا يمنع المعاتبة قال :( واصفح ) أي وأعرض عن ذلك أصلاً ورأساً، فلا تعاتبهم عليه كما لم تعاقبهم، فإن ذلك إحسان منك، وإذا أحسنت أحبك الله ) إن الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال ) يحب المحسنين ( وذلك - كما روى الشيخان وغيرهما عن عائشة رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله سحره رجل من اليهود يقال له لبيد بن الأعصم وفي رواية للبخاري : إنه رجل من بني زريق حليف ليهود وكان منافقاً - حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وذلك أشد السحر، ثم إن الله تعالى شفاه وأعلمه أن السحر في بئر ذروان، فقالت له عائشة رضي الله عنها : أفلا


الصفحة التالية
Icon