صفحة رقم ٤١٩
توقع الإخبار بأنه نور، فقال مفتتحاً بحرف التوقيع والتحقيق :( قد جاءكم ( وعظمه بقوله معبراً بالاسم الأعظم :( من الله ) أي الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال ) نور ) أي واضح النورية، وهو محمد ( ﷺ ) الذي كشف ظلمات الشك والشرك، ودل على جمعه مع فرقه بقوله :( وكتاب ) أي جامع ) مبين ) أي بين في نفسه، مبين لما كان خافياً على الناس من الحق.
ولما كانت هدايته مشروطة بشرط صلاح الجبلة، بين ذلك بقوله واصفاً له :( يهدي به ) أي الكتاب ) الله ) أي الملك الأعظم القادر على التصرف في البواطن والظواهر ) من اتبع ) أي كلف نفسه وأجهدها في الخلاص من أسر الهوى بأن تبع ) رضوانه ) أي غاية ما يرضيه من الإيمان والعمل الصالح، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا بتوفيقه، ثم ذكر مفعول ) يهدي ( فقال :( سبل ) أي طرق ) السلام ) أي الله، باتباع شرائع دينه والعافية والسلامة من كل مكروه ) وخرجهم من الظلمات ) أي كدورات النفوس والأهواء والوساس الشيطانية ) إلى النور ) أي الذي دعا إليه العقل فيصيروا عاملين بأحسن الأعمال كما يقتضيه اختيار من هو في النور ) بإذنه ) أي بتمكينه.
ولما كان من في النور قد يغيب عنه غرضه الأعظم فلا ينظره لغيبته عنه ببعده منه، وتكثر عليه الأسباب فلا يدري أيها الوصف أو يقرب إيصاله ويسهل أمره، قال كافلاً لهم بالنور مريحاً من تعب السير :( ويهديهم ) أي بما له من إحاطة العلم والقدرة ) إلى صراط مستقيم ) أي طريق موصل إلى الغرض من غير عوج أصلاً، وهو الدين الحق، وذلك مقتض للتقرب المستلزم لسرعة الوصول.
المائدة :( ١٧ - ١٨ ) لقد كفر الذين.....
) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( ( )
ولما تم ذلك موضحاً لأن من لم يتبع الكتاب الموصوف كان كافراً وعن الطريق الأمم جائراً حائراً، وكان محصل حال اليهود كما رأيت فيما تقدم ويأتي من نصوص التوراة - أنهم لا يعتقدون على كثرة ما يرون من الآيات أن الله مع نبيهم دائماً، وكان أنسب الأشياء بعد الوعظ أن يذكر حال النصارى في نبيهم، فإنه مباين لحال اليهود من


الصفحة التالية
Icon