صفحة رقم ٤٤٣
ولما كان المؤثر للحسد إنما هو عدم التقبل، لا بالنسبة إلى متقبل خاص، بناه للمفعول فقال :( فتُقبِّل ) أي قبل قبولاً عظيماً ظاهراً لكل أحد ) من أحدهما ( أبهمه أيضاً لعدم الاحتياج في هذا السياق إلى تعيينه ) ولم يتقبل من الآخر ( عَلِمَا ذلك بعلامة كانت لهم في ذلك، إما أكل النار للمقبول كما قالوه أو غير ذلك ؛ ومناسبتها لما قبلها من حيث إنها أيضاً ناقضة لدعواهم النبوة، لأن قابيل ممن ولد في الجنة على ما قيل، ومع ذلك فقد عذب لما نقض العهد، فانتفى أن يكون ابناً وكان هو وغيره شرعاً واحداً دائراً أمرهم في العذاب والثواب على الوفاء والنقض، من وفى كان حبيباً ولياً، ومن نقض كان بغيضاً عدواً، وإذا انتفت البنوة عن ولد لآدم صفي الله مع كونه لصلبه لا واسطة بينهما ومع كونه وَلِدَ في الجنة دار الكرامة، فانتفاؤها عمن هو أسفل منه من باب الأولى، وكذا المحبة ؛ ومن المناسبات أيضاً أن كفر بني إسرائيل بمحمد ( ﷺ ) إنما هو للحسد، فنبهوا بقضة ابني آدم على أن الحسد يجر إلى ما لا يرضي الله وإلى ما لا يرضاه عاقل ويكب في النار ؛ ومنها أن في قصة بني إسرائيل إحجامهم عن قتال أعداء الله البعداء منهم المأمورين بقتالهم الموعودين عليه بخيري الدارين، وأن الله معهم فيه، وفي قصة ابني آدم إقبال قابيل على قتل أخيه حبيب الله المنهي عن قتله المتوعد بأن الله يتبرأ منه إن قتله، ففي ذلك تأديب لهذه الأمة عند كل إقدام وإحجام، وتذكير بالنعمة في حفظهم من مثل ذلك، وأن فيها أن موسى وهارون عليهما السلام أخوان في غاية الطواعية في أنفسهما، ورحمة كل منهما للآخر والطاعة لله، وقصة ابني آدم بخلاف ذلك، وفي ذلك تحذير مما جر إليه وهو الحسد، وأن في قصة بني إسرائيل أنهم لما قدموا الغنائم للنار فلم تأكلها، عَلِمَ نبيهم ( ﷺ ) أنها لم تقبل لغلول غَلّوه، فاستخرجه ووضعه فيها فأكلتها، ففي ذلك الاستدلال بعدم أكل النار على عدم القبول - كما في قصة ابني آدم، وأن بني إسرائيل عذوبا بالمنع من بيت المقدس بالتيه.
وقابيل نفي من الأرض التي كان فيها مقتل أخيه، وأن بني غسرائيل تاهوا أربعين سنة على عدد الأيام التي غاب فيها نقباؤهم في جسّ أخبار الجبابرة، وأن قابيل حمل هابيل بعد أن قتله أربعين يوماً - ذكره البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : وقصده السباع فحمله على ظهره أربعين يوماً، وكل هذه محسنات والعمدة هو الوجه الأولن وأحسن منه أن يكون الأمر لموسى عليه السلام عطفاً على النهي في لاتاس، والمعنى أن الأرض المقدسة مكتبوة لهم كما قَدمته أنت أول القصة في قولك :
٧٧ ( ) التي كتب الله لكم ( ) ٧
[ المائدة : ٢١ ] فأنا مورثها لا محالة لأبنائهم وأنت متوفٍ قبل دخولها، وقد أجريت سنتي في ابني آدم بأنهم إذا توطنوا واستراحوا تحاسدوا، وإذا تحاسدوا تدابروا فقتل


الصفحة التالية
Icon