صفحة رقم ٤٤٦
ولما وعظه بما يمنعه من قتله ويقبل به على خلاص نفسه، أعلمه ثانياً أن الخوف من الله مَنَعَه من أن يمانعه عن نفسه مليناً لقلبه بما هو جدير أن يرده عنه خشية أن ترجه الممانعة إلى تعدي الحد المأذون فيه، لأن أخاه كان عاصياً لا مشركاً، فقال مؤكداً بالقسم لأن مثل ما يخبر به عظيم لا يكاد يصدق :( لئن بسطت إليّ ) أي خاصة ) يدك لتقتلني ) أي لتوجد ذلك بأيّ وجه كان، ثم بالغ في إعلامه بامتناعه من الممانعة فقال :( ما أنا ( وأغرق في النفي فقال :( بباسط ) أي أصلاً، وقدم المفعول به تعميماً، ثم خص المتعلق لمناسبة الحال فقال :( يدي إليك لأقتلك ) أي ي أيّ وقت من الأوقات، ولعله أتى بالجملة الاسمية المفيدة لنفي الثبات والدوام أدباً مع الله في عدم الحكم على المستقبل، ثم علله بقوله :( إني أخاف اله ) أي استحضر جميع ما أقدر على استحضاره من كماله، ثم وصفه بالإحسان إلى خلقه ليكون ذلك مانعاً له من الإساءة إلى أحد منهم فقالك ) رب العالمين ) أي الذي أنعم عليها بنعمة الإيجاد ثم التربية، فأنا لا أريد أن أخرب ما بنى، وهذا كما فعل عثمان رضي الله عنه.
ولما كان من النهايات للواصلين إلى حضرات القدس ومواطن الأنس بالله، المتمكنين في درجة الغناء عن غير الفاعل المختار أن لايراد إلا ما يريد سبحانه، فإن كان طاعة أراده العبد ورضيه، وإن كان معصية أراده من حيث إنه مراد الله ولم يرضه لكونه معصية، فيرضى بالقضاء دون المقضي، وكأنه من الممكن القريب أن يكون هابيل قد كشف له عن أنه سبق في علم الله أن أخاه يقتله، قال مرهباً له معللاً بتعليل آخر صاد له أيضاً عن الإقدام على القتل :( إني أريد ) أي بعدم الممانعة لك ) إن تبوأ ) أي ترجع من قتلي إن قتلتني ) بإثمي ) أي الإثم الذي ينالك من أجل قتلك لي، وبعقوبته الذي من جملته أنه يطرح عليك من سيئاتي بمقدار ما عليك من حقي إذا لم تجد ما ترضيني به من الحسنات ) وإثمك ) أي الذي لا سبب لي فيه، وهو الذي كان سبباً لرد قربانك واجترائك عليّ وعدوانك، وأفوز أنا بأجري وأجرك، أي أجري الذي لا سبب لك فيه والأجر الذي أثمره استسلامي لك وكفُّ يدي عنك ) فتكون ) أي أنت بسبب ذلك ) من أصحاب النار ) أي الخالدين فيها جزاءً لك لظلمك بوضعك القتل في غير موضعه، ثم بين أن هذا يعم كل من فعل هذا الفعل فقال :( وذلك جزاء الظالمين ) أي الراسخين في وصف الظلم كلهم، وأكون أنا من أصحاب الجنة جزاءً لي بإحساني في إيثار حياتك لإرادة المعصية من حيث كونها معصية بإرادة ظهور الكفار، لما علم من أن النصر بيد الله، فهو قادر على نصر الباقي بعد استشهاد الشهيد.


الصفحة التالية
Icon