صفحة رقم ٤٥٠
النقوض
٧٧ ( ) بل أنتم بشر ممن خلق ( ) ٧
[ المائدة : ١٨ ] فصار من قتل نفساً واحدة بغير ما ذكر فكأنما حمل إثم من قتل الناس جميعاً، لأن اجتراءه على ذلك أوجب اجتراء غيره، ومن سن سنة كان كفاعلها ) ومن أحياها ) أي بسبب من الأسباب كعفو، أو إنقاذ من هلكة كغرق، أو مدافعة لمن يريد أن يقتلها ظلماً ) فكأنما أحيا ) أي بذلك الفعل الذي كان سبباً للأحياء ) الناس جميعاً ) أي بمثل ما تقدم في القتل، والآية دالة على تعليمه سبحانه لعباده الحكمة، لما يعلم من طباعهم التي خلقهم عليها ومن عواقب الأمور - لا على أنه يجب عليه - رعاية المصلحة، ومما يحسن إيارده هاهنا ما ينسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورأيت من ينسبه للشافعي رحمه الله تعالى :
الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهمُ آدم والأم حواء نفس كنفس وأرواح مشاكلة وأعظمُ خلقت فيهم وأعضاء فإن يكن لهمُ في أصلهم حسب يفاخرون به فالطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرىء ما ان يحسنه وللرجال علىالأفعال أسماء وضد كل امرىء ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم تعش حياً به أبداً فالناس موتى وأهل العلم أحياء
ولما أخبر سبحانه أنه كتب عليهم ذلك، أتبعه حالاً منهم دالة على أنهم بعيدون من أن يكونوا أبناء وأحباء فقال :( ولقد ) أي والحال أنهم قد ) جاءتهم رسلنا ) أي على ما لهم من العظمة بإضافتهم إلينا واختيارنا لهم لأن يأتوا عنا، فهم لذلك أنصح الناس وأبعدهم عن الغرض وأجلّهم وأجمعهم للكمالات وأرفعهم عن النقائص، لأن كل رسول دال على مرسله ) بالبينات ) أي الآيات الواضحة للعقل أنها من عندنا، آمره لهم بكل خير، زاجرة عن كل ضير، لم نقتصر في التغليظ في ذلك على الكتاب بل وأرسلنا الرسل إليهم متواترة.
ولما كان وقوع الإسراف - وهو الإبعاد عن حد الاعتدال في الأمر منهم بعد ذلك - بعيداً - عبر بأدة التراخي مؤكداً بأنواع التأكيد فقال :( ثم إن كثيراً منهم ) أي بني إسرائيل، وبيَّنَ شدة عتوّهم بإصرارهم خلفاً بعد سلف فلم يثبت الجار فقال :( بعد ذلك ) أي البيان العظيم والزجر البليغ بالرسل والكتاب ) في الأرض ) أي التي هي مع كونها فراشاً لهم - ويقبح على الإنسان أن يفسد فراشه - شاغلة - لما فيها من عظائم الكدورات وترادف القاذورات - عن الكفاف فضلاً عن الإسراف ) لمسرفون ) أي عريقون في الإسراف بالقتل وغيره.