صفحة رقم ٤٥٤
ولما كانت السرقة من جملة المحاربة والسعي بالفساد، وكان فاعلها غير متقٍ ولا متوسل، عقب بها فقال :( والسارق ( الآخذ لما هو في حرز خفيةً لكونه لا يستحقه ) والسارقة ) أي كذلك ؛ ولما كان التقدير : وهما مفسدان، أو حكمهما فيما يتلى عليكم، سبب عنه قوله :( فاقطعوا ( وال.
قال المبرد - للتعريف بمعنى : الذي، والفاء للسبب كقولك : الذي يأتيني فله كذا كذا درهم ) أيديهما ) أي الأيامن من الكوع إذا كان المأخوذ ربع دينار فصاعداً من جرز مثله من غير شبهة له فيه - كما بين جميع ذلك النبي ( ﷺ ) - ويرد مع القطع ما سرقه ؛ ثم علل ذلك بقوله :( جزاء بما كسبا ) أي فعلا من ذلك، وإدالته على أدنى وجوه السرقة وقاية للمال وهواناً لها للخاينة، وديتها إذا قطعت في غير حقها خمسمائة دينار وقاية للنفس من غير أن ترخصها الخيانة، ثم علل هذا الجزاء بقوله :( نكالاً ) أي منعاً لهما كما يمنع القيد ) من الله ) أي الذي له جميع العظمة فهو المرهوب لكل مربوب، وأعاد الاسم الأعظم تعظيماً للأمر فقال :( والله ) أي الذي له جميع صفات الكمال ) عزيز ) أي في انتقامه فلا يغالبه شيء ) حكيم ) أي بالغ الحكم والحكمة في شرائعه، فلا يستطاع الامتناع من سطوته ولا نقض شيء يفعله، لأنه يضعه في أتقن مواضعه.
ولما ختم بوصفي العزة والحكمة، سبب عنهما قوله :( فمن تاب ) أي ندم وأقلع، ودل على كرمه بالقبول في أيّ وقت وقعت التوبة فيه ولو طال زمن المعصية بإثبات الجار فقال :( من بعد ( وعدل عن أن يقول ( سرقته ) إلى ) ظلمه ( تعميماً للحكم في كل ظلم، فشمل ذلك فعل طعمة وما ذكر بعده مما تقدم في النساء وغير ذلك من كل ما يسمى ظلماً ) وأصلح ) أي أوجد الإصلاح وأوقعه بردّ الظلامة والثبات على الإقلاع ) فإن الله ) أي بما له من كمال العظمة ) يتوب عليه ) أي يقبل توبته ويرجع به إلى أتم ما كان عليه قبل الظلم من سقوط عذاب الآخرة دون عقاب الدنيا، رحمة من الله له ورفقاً به وبمن ظلمه وعدلاً بينهما، لا يقدر أحد أن يمنعه من ذلك ولا يحول بينه وبينه لحظة ما ؛ ثم علل ذلك بقوله :( إن الله ) أي الذي له الكمال كله أزلاً وأبداً ) غفور رحيم ) أي بالغ المغفرة والرحمة، لا مانع له من ذلك ولا من شيء منه ولا من شيء يريد فعله، بل هو فعال لما يريد، والآية معطوفة على آية المحاربين وإنما فصل بينهما بما تقدم لما ذكر من العلة الطالبة لمزيد العناية به.
المائدة :( ٤٠ - ٤١ ) ألم تعلم أن.....
) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هًّادُواْ