صفحة رقم ٤٧٩
ودعت إليه كتبهم من ابتاعك ) فاعلم إنما يريد الله ) أي الذي له جميع العظمة العظمة ) أن يصيبهم ( لأنه لو أراد بهم الخير لهداهم إلى القبول الذي يطابق عليه شاهد العقل بما تدعو إيله الفطرة الأولى والنقل بما في كتبهم، إما من الأمر بذلك الحكم بعينه، وإما من الأمر باتباعك ) ببعض ذنوبهم ) أي التي هذا منها، وأبهمه زيادة في استدراجهم وإضلالهم وتحذيراً لهم من جميع مساوي أعمالهم، لئلا يعلموا عين الذنب الذي اصيبوا به، فيحملهم ذلك على الرجوع عنه، ويصير ذلك كالإلجاء، أو يكون إبهامه للتعظيم كما أن التنكير يفيد التعظيم، فيؤذن السياق بتعظيم هذا التولي وبكثرة ذنوبهم واجترائهم على مواقعتها.
ولما كان التقدير : فإنهم بالتولي فاسقون، عطف عليه :( وإن كثيراً من الناس ) أي هم وغيرهم ) لفاسقون ) أي خارجون عن دائرة الطاعات ومعادن السعادات، متكلفون لأنفسهم إظهار ما في بواطنهم من خفي الحيلة بقوة ؛ ولما كان من المعلوم أن من أعرض عن حكم الله أقبل ولا بد على حكم الشيطان الذي هو عين الهوى الذي هو دين أهل الجهل الذين لا كتاب لهم هاد ولا شرع ضابط، سبب عَن إعراضهم الإنكار عليهم بيقوله :( أفحكم الجاهلية ) أي خاصة مع أن أحكامها لا يرضى بها عاقل، لكونها لم يدع إليها كتاب، بل إنما هي مجرد أهواء وهم أهل كتاب ) يبغون ) أي يرديون بإعراضهم عن حكمك مع ما دعا إليه كتابهم من اتباعك، وشهد به كتابك بالعجز عن معارضته من وجوب رسالتك إلى جميع الخلائق، وقراءة ابن عامر بالالتفات إلى الخطاب أدل على الغضب.
ولما كان حسن الحكم تابعاً لإتقانه، وكان إتقانه دائراً على صفات الكمال من تمام العلم وشمول القدرة وغير ذلك، قال - معلماً أن حكمه أحسن الحكم عاطفاً على ما تقديره : فمن أضل منهم :( ومن ( ويجوز أن تكون الجملة حالاً من واو يبغون، أي يريدون ذلك والحال أنه يقال : من ) أحسن من الله ) أي المستجمع لصفات الكمال ) حكماً ( ثم زاد في تقريعهم بكثافة الطباع وجمود الأذهان ووقوف الأفهام بقوله معبراً بلم البيان إشارة إلى المعنى بهذا الخطاب :( لقوم ) أي فيهم نهضة وقوة محاولة لما يريدونه ) يوقنون ) أي يوجد منهم اليقين يوماً ما وأما غيرهم فليس بأهل الخطاب فكيف بالعتاب إنما عتابه شديد العقاب، وفي ذلك أيضاً غاية التبكيت لهم والتقبيح فكيف بالعتاب إنما عتابه شديد العقاب، وفي ذلك أيضاً غاية التبكيت لهم والتقبيح عليهم من حيث إنهم لم يزالوا يصفون أهل الجاهلية بالضلال، وأن دينهم لم ينزل الله به من سلطان، وقد عدلوا في هذه الأحكام إليه تاركين جميع ما أنزل الله من كتابهم والكتاب الناسخ له، فقد ارتكبوا الضلال بلا شبهة على علم، وتركوا الحق المجمع عليه.