صفحة رقم ٤٨
مبرؤون من أن يكون لأحد قبهلم حق دنيوي أو أخروي قال :( بغير حق ) أي لا صغير ولا كبير فلي نفس الأمر ولا في اعتقادهم، فهو مما في البقرة على عادة أفعال الحكماء في الابتداء بالأخف فالأخف.
ولما خص ذكر أكمل الخلق عبر بما يعم أتباعهم فقال معيداً للفعل زيادة في لومهم وتقريعهم :( ويقتلون الذين يأمرون بالقسط ) أي العدل، ولما كان ذلك شاملاً لمن لا قدرة لهم على قتله من الملائكة قال :( من الناس ) أي كلهم، سواء كانوا أنبياء أو لا، ويجوز أن يكون المراد بهذا القيد زيادة توبيخهم بأنهم يقتلون جنسهم الذي من حقهم أن يألفوه ويسعوا في بقائه، وهذا تحقيق لأن قتلهم لمجرد العدوان قال الحرالي : فيه إعلام بتمادي تسلطهم على أهل الخير من الملوك والرؤساء، فكان في طيه إلاحة لما استعملوا فيه من علم التطبب ومخالطتهم رؤساء الناس بالطب الذي توسل كثير منهم إلى قتلهم به عمداً وخطأ، ليجري ذلك على أيديهم خفية في هذه الأمة نظير ما جرى على أيدي أسلافهم في قتل الأنبياء جهرة - انتهى.
ويجوز أن يكون الخبر عنهم محذوفاً والتقدير : أنهم مطبوع على قلوبهم، أو : لا يؤمنون، أو : لا يزالون يجادلونك وينازعونك ويبغون لك الغوائل ) فبشرهم بعذاب أليم ) أي اجعل إخبارهم بأنه لهم موضع البشارة، فهو من وادي : تحيتهم ببينهم ضرب وجيع.
ولما كان الحال ربما اقتضى أن يقال من بعض أهل الضلال : إن لهؤلاء أعمالاً حساناً واجتهادات في الطاعة عظيمة، بيّن تعالى أن تلك الأفعال مجرد صور لا معاني لها لتضييع القواعد، كما أنهم هم أيضاً ذوات بغير قلوب، لتقع المناسبة بين الأعمال ولاعاملين فقال :( أولئك ) أي البعداء البغضاء ) الذين حبطت ) أي فسدت فسقطت، وأشار بتأنيث الفعل إلى ضعفها من أصلها ) أعمالهم ) أي كلها الدنياوية والدينية، وأنبأ تعالى بقوله :( في الدنيا ( كما قال الحرالي - أنهم يتعقبون أعمال خيرهم ببغير يمحوها فلا يطمعون بجزائها في عاجل ولا آجل، وبذلك تمادي عليهم الذل وقل منهم المهتدي - انتهى ) والآخرة ( فلا يقيم لهم الله في يوم الدين وزناً، وأسقط ذكر الحياة إشارة إلى أنه لا يحاة لهم في واحدة من الدارين.
ولما كان التقدير : فلا ينتصرون بأنفسهم أصلاً، فإنهم لا يدبرون تدبيراً إلا كان فيه تدميرهم، عطف عليه قوله :( وما لهم من ناصرين ( قال الحرالي : فيه إعلام بوقوع الغلبة عليهم غلبة لا نصرة لهم فيها في يوم النصر الموعود في سورة الروم التي هي تفصيل من معنى هذه السورة في قوله تعالى :
٧٧ ( ) ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ( ) ٧
[ الروم : ٤، ٥ ] فهم غير داخلين فيمن ينصر بما قد ورد أنهم ( يقتلون