صفحة رقم ٥٠
كثرة أفراد هذا الفريق ) وهم معرضون ( بما سلبوه من ذلك التردد والتكلف، فصار وصفاً لهم بعد أن كان تعملاً، ما أنكر منكر حقاً وهو يعلمه إلا سلبه الله تعالى علمه حتى يصير إنكاره له بصورة وبوصف من لم يكن قط علمه - انتهى.
وفي هذا تحذير لهذه الأمة من الوقوع في مثل ذلك ولو بأن يدعى أحدهم من حسن إلى أحسن منه - نبه عليه الحرالي وقال : إذ ليس المقصود حكاية ما مضى فقط ولا ما هو كائن فحسب، بل خطاب القرآن قائم دائم ماض كلية خطابه في غابر اليوم المحمدي مع من يناسب أحوال من تقدم منهم، وفي حق المرء مع نفسه في أوقات مختلفة - انتهى.
ثم علل اجتراءهم على الله تعالى فقال :( ذلك ) أي الإعراض البعيد عن أفعال أهل الكرم المبعد من الله ) بانهم قالوا ( كذباً على الله - كما تقدم بيانه في سورة البقرة ) لن تمسنا النار إلا أياماً ( ولما كان المقام هنا لتناهي اجترائهم على العظائم لاستهانتهم بالعذاب لاستقصارهم لمدته والتصريح بقتل الآمرين بالقسط عامة وبحبوط الأعمال، وكان جمع القلة قد يستعار للكثرة أكدت إرادتهم حقيقة القلة بجمع آخر للقلة، فقيل على ما هو الأولى من وصف جمع القلة لما لا يعقل بجمع جبراً له :( معدودات ( وتطاول الزمان وهم على هذا الباطل حتى آنسوا به واطمأنوا إليه لأنه ما كذب أحد بحق إلا عوقب بتصديقه بباطل، وما ترك قوم سنة إلا أحيوا بدعة، على أن كذبهم أيضاً جرهم إلى الاستهانة بعذاب الله الذي لا يستهان بشيء منه ولو قل.
ولما نسبوا ذلك إلى الكتاب فجعلوه ديناً قال :( وغرَّهم ( قال الحرالي : من الغرور وهو إخفاء الخدعة في صورة النصيحة - انتهى ) في دينهم ما كانوا ) أي بما هيؤوا له وجبلوا عليه ) يفترون ) أي يتعمدون كذبة، قال الحرالي : فتقابل التعجبيبات في ردهم حق الله سبحانه وتعالى وسكونهم إلى باطلهم - انتهى.
ولما تسبب عن اجترائهم بالكذب على الله أن يسأل عن حالهم معه قال صارفاً القولإلى مظهر العظمة المقتضي للمجازاة والمناقشة :( فكيف ) أي يكون حالهم ) إذا جمعناهم ) أي وقد رفعنا حجاب العظمة وشهرنا سيف العزة والسطوة.
ولما كان المقصود بالجمع الجزاء قال :( ليوم ( ووصفُه بقوله :( لا ريب فيه ( مشعر - كما قال الحرالي - بأنهم ليسوا على طمأنينة في باطلهم بمنزلة الذي لم يكن له أصل كتاب، فهم في ريبهم يترددون إلى أن يأتي ذلك اليوم. ولما كان الجزاء أمرا متحققا لا بد منه أشار إليه بصيغة الماضي في قوله ك ) ووفيت ( والبناء للمفعول للإفهام بسهولة ذلك عليه وإن كان يفوت الحصر، وتأنيث الفعل للإشارة إلى دناءة النفوس وضعفها، وقوله ) كل نفس ( قال الحرالي : الفصل