صفحة رقم ٥١٨
غيره، لأن الشرع هو الميزان القسط والحكم العدل، وهذا إشارة إلى أنهم إن لم ينتهوا كانوا على محض التقليد لأسلافهم الذين هم في غاية البعد عن النهج وترك الاهتداء بنور العلم، وهذا غاية في التبكيت، فإن تقليدهم لو كان فيما يشبه الحق كان جهلاً، فكيف وإنما هو تقليد في هوى.
ولما نهاهم عن ذلك وقبحه عليهم.
علله محذراً منه بقوله تعالى بانياً للمفعول، لأن الفاعل معروف بقرينة من هو على لسانهما :( لعن ( ووصفهم بما نبه على علة لعنهم بقوله :( الذين كفروا ( وصرح بنسبتهم تعييناً لهم وتبكيتاً وتقريعاً فقال :( من بنى إسرائيل ( وأكد هذا اللعن وفخمه بقوله :( على لسان داود ) أي الذي كان على شريعة موسى عليه السلام، وذلك باعتدائهم في السبت فصاروا قردة ) وعيسى ابن مريم ) أي الذي نسخ شرع موسى عليه السلام، بكفرهم بعد المائدة فمسخوا خنازير، لأنهم خالفوا النبيين معاً، فلا هم تعبدوا بما دعاهم إليه داود عليه السلام من شرعهم الذي هم مدعون التمسك به، وعارفون بأن ما دعاهم إليه منه حقاً، ولا هم خرجوا عنه إلى ما أمروا بالخروج إليه على لسان موسى عليه السلام في بشارته به متقيدين بطاعته، فلم تبق لهم علة من التقيد به ولا التقيد بحق دعاهم إليه غيره، فعلم قطعاً أنهم مع الهوى كما مضى، ولم ينفعهم مع نسبتهم إلى واحدة من الشريعتين نسبتهم إلى إسرائيل عليه السلام، فإنه لا نسب لأحد عند الله دون التقوى لا سيما في يوم الفصل إذ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.
ولما أخبر بلعنهم وأشار إلى تعليله بكفرهم، صرح بتعليله بقوله :( ذلك ) أي اللعن التام ) بما ) أي بسبب ما ) عصوا ) أي فعلوا في ترك أحكام الله فعل العاصي على الله ) وكانوا يعتدون ) أي كانت مجاوزة الحدود التي حدها الله لهم خلقاً.
ذكر الإشارة إلى لعنهم في الزبور والإنجيل، قال في المزمور السابع والسبعين من الزبور : أنصت يا شعبي لوصاياي، قربوا أسماعكم إلى قول فمي، فإني أفتح بالأمثال فمي، وأنطق بالسرائر الأزلية التي سمعناها وعرفناها وأخبرنا آباؤنا بها ولم يخفوها عن أبنائهم ليعرفوا الجيل الآتي تسابيح الرب وقوته وعجائبه التي صنعها، أقام شهادته في يعقوب وجعل ناموصاً في إسرائيل كالذي أوصى آباءنا ليعلموا أبناءهم، لكيما يخبر الجيل الآخر البنين الذين يولدون ويقومون، ويعلمون أيضاً بنيهم أن يجعلوا توكلهم على الله ولا ينسوا أعمال الرب، ويتبعوا وصاياه لئلا يكونوا كآبائهم الجيل المنحرف