صفحة رقم ٥٢
محمد أو يا من آمن بنا مخاطباً لإلهك مسمعاً لهم ومعرضاً عنهم ومنبهاً لهم من سكرات غفلاتهم في إقبالهم على ملوك لا شيء في أيديهم، وإعراضهم عن هذا الملك الأعظم الذي بيده كل شيء.
قال الحرالي : لعلو منزل هذه السورة كثر الإقبال فيها بالخطاب على النبي ( ﷺ ) وجعل القائل لما كانت المجاورة معه، لأن منزل القرآن ما كان منه لإصلاح ما بين الخلق وربهم يجيء الخطاب فيه من الله سبحانه وتعالى إليهم مواجة حتى ينتهي إلى الإعراض عند إباء من يأبى منهم، وما كان لإصلاح ما بين الأمة ونيها يجرى الله الخطاب فيه على لسانه من حيث توجههم بالمجاورة إليه، فإذا قالوا قولاً يقصدونه به قال الله عز وجل : قل لهم، ولكون القرآن متلواً ثبتت فيه كلمة قل - انتهى.
) اللهم مالك الملك ) أي لا يملك شيئاً منه غيرك.
قال الحرالي : فأقنعه ( ﷺ ) ملك ربه، فمن كان منه ومن آله وخلفائه وصحابته يكون من إسلامه وجهه لربه إسلام الملك كله الذي منه شرف الدنيا لله، فلذلك لم يكن ( ﷺ ) يتظاهر بالملك ولا يأخذه مآخذه، لأنه كان نبياً عبداً، لا نبياً ملكاً، فأسلم الملك لله، كذلك خلفاؤه اسلموا الملك لله فلبسوا الخلقان والمرقعات واقتصروا على شظف العيش، ولانوا في الحق، وحملوا جفاء الغريب، واتبعوا اثره في العبودية، فأسلموا الملك لله سبحانه وتعالى، ولم ينازعوه شيئاًد منه، حمل عمر رضي الله عنه قربة على ظهره في زمن خلافته حتى سكبها في دار امرآة من الأنصار في أقصى المدينة، فلما جاء الله بزمن الملك واستوفيت أيام الخلافة عقب وفاء زمان النبوة أظهر الله سبحانه وتعالى الملك في أمة محمد ( ﷺ )، وكما خصص بالنبوة والإمامة بيت محمد وآل محمد ( ﷺ ) وخصص بالخلافة فقراء المهاجرين خصص بالملك الطلقاء الذين كانوا اعتقاء الله ورسوله، لينال كل من رحمة الله وفضله، التي ولى جميعها نبيه ( ﷺ ) كلَّ طائفة على قدر قربهم منه، حتى اختص بالتقدم قريشاً ما كانت، ثم العرب، ففيه إشعار بأن الله ينول ملك فارس والروم العرب كما وقع منه ما وقع، دجل، كل ذلك مخول لمن يخوله بحسب لاقرب والبعد منه ) تؤتي الملك من تشاء ( في الإيتاء إشعار بأنه تنويل من الله من غيره قوة وغلبة، ولا مطاولة فيه، وفي التعبير بمن العامة للعقلاء إشعار بمنال الملك من لم يكن من أهله، وأخص الناس بالبعد منه العرب، ففيه إشعار بأن الله ينول ملك فارس والروم العرب كما وقع منه ما وقع، وينتهي منه ما بقي إلى من نال الملك بسببها وعن الاستناد إليها من سائر الأمم الذين دخلوا في هذه الأمة من قبائل الأعاجم وصنوف أهل الأقطار حتى ينتهي الأمر إلى أن يسلب الله الملك جيمع أهل الأرض، فيعيده إلى إمام العرب الخاتم للهداية من ذريته ختمه ( ﷺ ) للنبوة من ذرية آدمخ، ويؤتيهم من المكنة، كما قال ( ﷺ ) :( لو شاء أحدهم أن