صفحة رقم ٥٢٦
رحمة منه لأهله ولطفاً بهم تشريفاً لنبيهم ( ﷺ )، ونهاهم عن الإفراط فيه والتفريط فقال تعالى :( يا أيها الذين آمنوا ) أي وجد منهم الإقرار بذلك ) لا تحرموا ) أي تمنعوا أنفسكم بنذر أو يمين أو غيرهما تصديقاً لما أقررتم به، ورغبهم في امتثال أمره بأن جعله موافقاً لطباعهم ملائماً لشهواتهم فقال :( طيبات ما ) أي المطيبات وهي اللذائذ التي ) أحل الله ( وذكر هذا الاسم الأعظم مرغب في ذلك، فإن الإقبال على المنحة يكون على مقدار المعطي، وأكد ذلك بقوله :( لكم ) أي وأما هو سبحانه فهو منزه عن الأغراض، لا ضر يلحقه ولا نفع، لأن له الغنى المطلق.
ولما أطلق لهم ذلك، حثهم على الاقتصاد، وحذرهم من مجاوزة الحد إفراطاً وتفريطاً فقال :( ولا تعتدوا ( فدل بصيغة الافتعال على أن الفطرة الأولى مبنية على العدل، فعدولها عنه لا يكون إلا بتكلف، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لاستبعاد أن ينهى عن الإمعان في العبادة :( إن الله ) أي وهو الملك الأعظم ) لا يحب المعتدين ) أي لا يفعل فعل المحب من الإكرام للمفرطين في الورع بحيث يحرمون ما أحللت، ولا للمفرطين فيه الذين يحللون ما حرمت، أي يفعلون فعل المحرم من المنع وفعل المحلل من التناول، وما ذكر من سبب نزول الآية واضح في ذلك ؛ روى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رجلاً أتى رسول الله ( ﷺ ) فقال : يا رسول الله إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت إلى النساء وإني حرمت عليّ اللحم، فنزلت :( لا تحرموا ما أحل الله لكم ( ونزلت :
٧٧ ( ) وكلوا مما رزقكم الله ( ) ٧
[ المائدة : ٨٨ ].
وأخرجه الترمذي في التفسير من جامعه وقال : حسن غريب، ورواه خالد الحذاء عن عكرمة مرسلاً.
وقال الواحدي : وتبعه عليه البغوي : قال المفسرون :( جلس رسول الله ( ﷺ ) فذكر الناس ووصف القيامة ولم يزدهم على التخويف فرق الناس وبكوا، فاجتمع عشرة من الصحابة رضي الله عنهم في بيت عثمان بن مظعون الجمحي، وهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن


الصفحة التالية
Icon