صفحة رقم ٥٣٣
الضرورة، ولهذا وأمثاله قال :( واتقوا الله ) أي الملك الذي له الجلال والإكرام من أن تحلوا حراماً أو تحرموا حلالاً، ثم وصفه بما يوجب رعي عهوده والوقوف عند حدوده فقال :( الذي أنتم به مؤمنون ) أي ثابتون على الإيمان به، فإن هذا الوصف يقتضي رعي العود، وخص سبحانه الأكل، والمراد جميع ما نهي عن تحريمه من الطيبات، لأنه سبب لغيره من المتمتعات، فلما نزلت - كما نقل البغوي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما - هذه الآية قالوا : يا رسول الله وكيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ وكانوا حلفوا على ما اتفقوا عليه - كما تقدم، فأنزل الله تعالى :( لا يؤاخذكم الله ) أي على ما له من تمام الجلال ) باللغو ( وهو ما يسبق إليه اللفظ من غير قصد ) في أيمانكم ( على أني لم أعتمد على سبب النزول في المناسبة إلا لدخوله في المعنى، لا لكونه سبباً، فإنه ليس كل سبب يدخل في المناسبة - كما بينته في أول غزوة أجد في آل عمران، وإنما كان السبب هنا داخلاً في مناسبة النظم، لأن تحريم ما أحل يكون تارة بنذر وتارة بيمين، والنذر في المباح - وهو مسألتنا - لا ينعقد وكفارته كفارة يمين، فحينئذ لم تدع الحاجة إلا إلى التعريف بالأيمان وأحكامها، فقسمها سبحانه إلى قسمين : مقصود وغير مقصود، فأما غير المقصود فلا اعتبار به، وأما المقصود فقسمان : حلف على ماض، وحلف على آت، فأما الحلف على الماضي فهو اليمين الغموس التي لا كفارة لها عند بعض العلماء، وسيأتي في ىية الوصية، وأما الحلف على الآتي - وهو الذي يمكن التحريم به - فذكر حكمه هنا بقوله تعالى :( ولكن يؤاخذكم (.
ولما كان مطلق الحلف الذي منه اللغو يطلق عليه عقد لليمين، أعلم أن المؤاخذة إنما هي بتعمد القلب، وهو المراد بالكسب في الآية الأخرى، فعبر بالتفعيل في قراءة الجماعة، والمفاعلة على قراءة ابن عامر تنبيهً على أن ذلك هو المراد من قراءة حمزة والكسائي بالتخفيف فقال ) بما عقدتم الأيمان ) أي بسبب توثيقها وتوكيدها وإحكامها بالجمع بين اللسان والقلب، سواء كان على أدنى الوجوه كما تشير إليه قراءة التخفيف، أو على أعلاها كما تشير إليه قراءة التشديد، فلا يحل لكم الحنث فيها إلا بالكفارة بخلاف اللغو فإنه باللسان فقط، فلا عقد فيه فضلاً عن تعقيد، و ( ما ) مصدرية.
ولما أثبت المؤاخذة سبب عنها قوله :( فكفارته ) أي الأمر الذي يستر النكث والحنث عن هذا التعقيد، ويزيل أثره بحيث تصيرون كأنكم ما حلفتم ) إطعام عشرة مساكين ) أي أحرار مساكين، لكل مسكين ربع صاع، وهو مدمن طعام، وهو رطل