صفحة رقم ٥٤١
الجناح عقب الوصف بالفسق على أنه علة الإباحة، ولا معنى لفسقها إلا أذاها ) وأنتم حرم ) أي محرومون أو في الحرم.
ولما كان سبحانه عالماً بأنه لا بد أن يوافق موافق تبعاً لأمره ويخالف مخالف موافقة لمراده، شرع لمن خالف كفارة تخفيفاً منه على هذه الأمة ورفعاً لما كان على من كان من قبلها من الآصار، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن انتهى فله عند ربه أجر عظيم :( ومن قتله منكم متعمداً ) أي قاصداً للصيد ذاكراً للإحرام إن كان محرماً، والحرم إن كان فيه عالماً بالتحريم.
ولما كان هذا الفعل العمد موجباً للإثم والجزاء، ومتى اختل وصف منه كان خطأ موجباً للجزاء فقط، وكان يبحانه قد عفا عن الصحابة رضي الله عنهم العمد الذي كان سبباً لنزول الآية كما في آخرها، لم يذكره واقتصر على ذكر الجزاء فقال :( فجزاء ) أي فمكافأة ) مثل ما قتل ) أي أقرب الأشياء به شبهاً في الصورة لا النوع، ووصف الجزاء بقوله :( من النعم ( لما قتله عليه، أي عليه أن يكافئ ما قتله بمثله، وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل، هذا على قراءة الجماعة بإضافة ( جزاء ) إلى ( مثل )، وأما على قراءة الكوفيين ويعقوب بتنوين ( جزاء ) ورفع ( مثل ) فالأمر واضح.
ولما كان كأنه قيل : مبا تعرف المماثلة ؟ قال :( يحكم به ) أي بالجزاء ؛ ولما كانت وجوه المشابهة بين الصيد وبين النعم كثيرة، احتاج ذلك إلى زيادة التأمل فقال :( ذوا عدل منكم ) أي المسلمين، وعن الشافعي أن الذي له مثل ضربان : ما حكمت فيه الصحابة، وما لم تحكم فيه، فما حكمت فيه لا يعدل إلى غيره لأنه قد حكم به عدلان فدخل تحت الآية، وهم أولى من غيرهم لأنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل ؛ وما لم يحكموا به يرجع فيه إلى اجتهاد عدلين، فينظر إلى الأجناس الثلاثة من الأنعام، فكل ما كان أقرب شبهاً به يوجبانه ؛ فإن كان القتل خطأ جاز أن يكون الفاعل أحد الحكمين، وإن كان عمداً فلا، لأنه يفسق به.
ولما كان هذا المثل يساق إلى مكة المشرفة على وجه الإكرام والنسك رفقاً بمساكينها، قال مبيناً لحاله من الضمير في ( به ) :( هدياً ( ولما كان الهدي هو ما تقدم تفسيره، صرح به فقال :( بالغ الكعبة ) أي الحرم المنسوب إليها، وإنما صرح بها زيادة في التعظيم وإعلاماً بأنها هي المقصودة بالذات بالزيارة والعمارة لقيام ما يأتي ذكره، تذبح الهدي بمكة المشرفة ويتصدق به على مساكين الحرم، والإضافة لفظية لأن الوصف بشبه ( يبلغ ) فلذا وصف بها النكرة.


الصفحة التالية
Icon