صفحة رقم ٥٤٤
الذي تقدم في أول السورة أني منعتكم من استحلال من يؤمّه ) قياماً للناس ) أي في أمر معاشهم ومعادهم لأنها لهم كالعماد الذي يقوم به البيت، فيأمن به الخائف ويقوى فيه الضعيف ويقصده التجار والحجاج والعمّار فهو عماد الدين والدنيا.
ولما ذكر ما به القوام من المكان، أتبعه ذلك من الزمان فقال :( والشهر الحرام ) أي الذي يفعل فيه الحج وغيره يأمن فيه الخائف.
ولما ذكر ما به القوام من المكان والزمان، أتبعه ما به قوام الفقراء من شعائره فقال :( والهدي ( ثم أتبعه أعزَّه وأخصه فقال :( والقلائد ) أي والهدي العزيز الذي يقلد فيذبح ويقسم على الفقراء، وفي الآية التفات إلى ما في أول السورة من قوله
٧٧ ( ) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ( ) ٧
[ المائدة : ٢ ] - فقوانينُها أن من قصدها في شهر الحرام لم يتعرض له أحد ولو كان قتل ابنه، ومن قصدها في غيره ومعه هدي قلده أو لم يقلده أو لم يكن معه هدي وقلد نفسه من لَحاء شجر الحرم لم يعرِض له أحد حتى أن بعضهم يلقي الهدي وهو مضطر فلا يعرض له ولو مات جوعاً، وسواء في ذلك صاحبه وغيره لأن الله تعالى أوقع في قلوبهم تعظيمها، لأنه تعالى جبل العرب على الشجاعة ليفتح بهم البلاد شرقاً وغرباً ليظهرعموم رسالة نبيهم ( ﷺ )، فلزم من ذلك شدة حرصهم على القتل والغارات، وعلم أن ذلك إن دام بهم شَغلَهم عن تحصيل ما يحتاجون إليه لعيشهم، فأدى إلى فنائهم، فجعل بيته المكرم وما كان من أسبابه أماناً يكون به قوام معاشهم ومعايشهم، فكان ذلك برهاناً ظاهراً على أن الإله عالم بجميع المعلومات وأن له الحكمة البالغة.
ولما أخبر بعلة التعظيم لما أمر بتعظيمه من نظم أمور الناس، ذكر علة ذلك الجعل فقال :( ذلك ) أي الجعل العظيم الذي تم أمره على ما أراد جاعله سبحانه ) لتعلموا ) أي بهذا التدبير المحكم ) أن الله ) أي الذي له الكمال كله الذي جعل ذلك ) يعلم ما في السماوات ( فلذلك رتبها ترتيباً فصلت به الأيام والليالي، فكانت من ذلك الشهور والأعوام، وفصّل من ذلك ما فصل للقيام المذكور ) وما في الأرض ( فلذلك جعل فيها ما قامت به مصالح الناس وكف فيه أشدهم وأفتكهم عن أضعفهم وآمن فيه الطير والوحش، فيؤدي ذلك من له عقل رصين وفكر متين إلى أن يعلم أن فاعل ذلك من العظمة ونفوذ الكلمة بحيث يستحق الإخلاص في العبادة وأن يمتثل أمره في إحلال ما أحل من الطعام وتحريم ما حرم من الشراب وغير ذلك.


الصفحة التالية
Icon