صفحة رقم ٥٥٠
ولما كان الإنسان قاصراً عن علم ما غاب، فكان زجره عن الكشف عما يسوءه زجراً له عن كل ما يتوقع أن يسوءه، قال تعالى :( إن تبد ) أي تظهر ) لكم ( بإظهار عالم الغيب لها ) تسؤكم ( ولما كان رمبا وقع في وهم متعنت أن هذا الزجر إنما هو لقصد راحة المسؤول عن السؤال خوفاً من عواقبه - قال :( وإن تسئلوا عنها ) أي تلك الأشياء التي تتوقع مساءتكم عند إبدائها ) حين ينزل القرآن ) أي والملك حاضر ) تبد لكم ( ولما كان ربما قال : فما له لا يبديها سئل عنها أم لا ؟ قال :( عفا الله ( بما له من الغنى المطلق والعظمة الباهرة وجميع صفات الكمال ) عنها ) أي سترها فلم يبدها لكم رحمة منه لكم وإراحة عما يسوءكم ويثقل عليكم في دين أو دنيا ؛ ولما كانت صفاته سبحانه أزلية، لا تتوقف لواحدة منها على غيرها، وضع الظاهر موضع المضمر لئلا يختص بما قبله فقال نادباً من وقع منه ذنب إلى التوبة :( والله ) أي الذي له مع صفة الكمال صفة الإكرام ) غفور ( أزلاً وأبداً يمحو الزلات عيناً وأثراً ويعقبها بالإكرام على عادة الحكماء ) حليم ) أي لا يعجل على العاصي بالعقوبة.
المائدة :( ١٠٢ - ١٠٥ ) قد سألها قوم.....
) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ( )
ولما نهى عن السؤال عنها ليتعرف حالها، علل ذلك بأن غيرهم عرف أشياء وطلب أن يعطاها، إما بأن سأل غيره ذلك، وإما بأن شرعها وسأل غيره أن يوافقه عليها وهو قاطع بأنها غاية في الحسن فكانت سبب شقائه فقال :( قد سألها ( يعني أمثالها، ولم يقل : سأل عنها، إشارة إلى ما أبدته ) قوم ) أي أولو عزم وبأس وقيام في الأمور.
ولما كان وجود القوم فضلاً عن سؤالهم لم يستغرق زمان القبل، أدخل الجار فقال :( من قبلكم ( ولما كان الشيء إذا جاء عن مسألة جديراً بالقبول لا سيما إذا كان من ملك فكيف إذا كان من ملك الملوك.
فكان رده في غاية البعد، عبر عن استبعاده بأداة العبد في قوله :( ثم أصبحوا بها ) أي عقب إتيانهم إياها سواء من غير مهلة ) كافرين ) أي ثابتين في الكفر، هذا زجر بليغ لأن يعودوا لمثل ما أرادوا من تحريم ما أحل لهم ميلاً إلى الرهبانية والتعمق في الدين المنهي عنه بقوله :( ) لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( ) [ المائدة : ٨٧ ].


الصفحة التالية
Icon