صفحة رقم ٥٥٩
بالجمع، كأنه قيل : هما من الأولين أي في الذكر وهم أهل الميت، فهو نعت للذين استحق ) فيقسمان ) أي هذان الآخران ) بالله ) أي الملك الذي لا يقسم إلا به لما له من كمال العلم وشمول القدرة ) لشهادتنا ) أي بما يخالف شهادة الحاضرين للواقعة ) أحق من شهادتهما ) أي أثبت، فإن تلك إنما ثباتها في الظاهر، وشهادتنا ثابتة في نفس الأمر وساعدها الظاهر بما عثر عليه من الريبة ) وما اعتدينا ) أي تعمدنا في يميننا مجاوزة الحق ) إنا إذاً ) أي إذا وقع منا اعتداء ) لمن الظالمين ) أي الواضعين الشيء في غير موضعه كمن يمشي في الظلام، وهذا إشارة إلى أنهم على بصيرة ونور مما شهدوا به، وذلك أنه لما وجد الإناء الذي فقده أهل الميت وحلف الداريان بسببه أنهما ما خانا طالبوهما، فقالا : كنا اشتريناه منه، فقالوا : ألم نقل لكما : هل باع صاحبنا شيئاً ؟ فقلتما : لا، فقالا : لم يكن عندنا بينة فكرهنا أن نقر لكم فرفعوا ذلك إلى رسول الله ( ﷺ ) فأمر فقام اثنان من اقارب الميت فحلفا على الإناء، فدفعه النبي ( ﷺ ) إليهما، لأن الوصيين ادعيا على الميت البيع فصار اليمين في جانب الورثة لأنهم أنكروا، وسمي أيمان الفريقين شهادة كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة - نبه على ذلك الشافعي، وكان ذلك لما في البابين من مزيد التأكيد.
ولما تم هذا على هذا الوجه الغريب، بين سبحانه سرَّه فقال :( ذلك ) أي الأمر المحكم المرتب هذا الترتيب بالأيمان وغيرها ) أدنى ) أي أقرب ) أن ) أي إلى أن ) يأتوا ) أي الذين شهدوا أولاً ) بالشهادة ) أي الواقعة في نفس الأمر ) على وجهها ( من غير أدنى ميل بسبب أن يخافوا من الحنث عند الله بعد هذا التغليظ ) أو يخافوا ( إن لم يمنعهم الخوف من الله ) أن ترد ) أي تثنى وتعاد ) أيمان ) أي من الورثة ) بعد أيمانهم ( للعثور على ريبة فيصيروا بافتضاحهم مثلاً للناس، قال الشافعي : وليس في هذا رد اليمين، فما كانت يمين الداريين على ما ادعى الورثة من الخيانة، ويمين ورثة الميت على ما ادعى الداريان مما وجد في أيديهما وأقرا أنه مال الميت وأنه صار لهما من قِبَله، فلم تقبل دعواهما بلا بينة، فأحلف وارثاه، قال : وإذا كان هذا كما وصفت فليست الآية ناسخة ولا منسوخة لأمر الله بإشهاد ذوي عدل ومن نرضى من الشهداء، هذا ما اقتضى إيلاؤها لما قبلها، وقد نزعها إلى مجموع هذه السورة مَنازع منها ما تقدم من ذكر القتل الذي هو من أنواع الموت عند قصة بني آدم وما بعدها، ثم تعقيب ذلك بالجهاد الذي هو من أسباب الموت، وقوله تعالى :
٧٧ ( ) وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ( ) ٧
[ المائدة : ٤٥ ]، ثم ذكره أيضاً في قوله تعالى :
٧٧ ( ) يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ( ) ٧
[ المائدة : ٥٤ ] وقد جرت السنة الإلهية بذكر الوصية عقب مثل ذلك