صفحة رقم ٥٦٤
بعضها بالفعل والباقي بالقوة لدلالة ما وجد عليه من الآيات الدالة على رسالتك الموجبة لتعظيمك ) فقال الذين كفروا ) أي غطوا تلك البينات عناداً ) منهم إن ) أي ما ) هذا إلا سحر مبين ( ثم بتأييده بالأنصار الذين أحيى أرواحهم بالإيمان وأجسادهم باختراع المأكل الذي من شأنه في العادة حفظ الروح، وذلك في قصة المائدة وغيرها فقال :( وإذ أوحيت ) أي بإلهام باطناً وبإيصال الأوامر على لسانك ظاهراً ) إلى الحواريين ) أي الأنصار ) أن آمنوا بي وبرسولي ) أي الذي أمرته بالإبلاغ يعني إبلاغ الناس ما آمرهم به، ثم استأنف مبيناً لسرعة أجابتهم لجعله محبباً إليهم مطاعاً فيهم بقوله :( قالوا آمنا (.
ولما كان الإيمان باطناً فلا بد في إثباته من دليل ظاهر، وكان في سياق عدّ النعم والطواعية لوحي الملك الأعظم دلوا عليه بتمام الانقياد، ناسب المقام زيادة التأكيد بإثبات النون الثالثة في قولهم :( واشهد بأننا ( بخلاف آل عمران ) مسلمون ) أي منقادون أتم انقياد، فلا اختيار لنا إلا ما تأمرنا به، وانظر ما أنسب إعادة ( إذ ) عند التذكير بروح كامل حساً أو معنى وحذفها عند الناقص، فأثبتها عند التأييد بها في أصل الخلق وفي الكمال الموجب للحياة الأبدية وفي تعليم الكتاب وما بعده المفيض لحياة الأبد على كل من تخلّق بأخلاقه وفي خلق الطير وهو ظاهر وهكذا إلى الآخر.
ذكرُ شيء مما عزي إليه من الحكمة في الإنجيل : قال متى : وكان يسوع يطوف المدن والقرى ويعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل الأمراض والأوجاع، ثم قال : فلما سمع يوحنا في السجن بأعمال المسيح أرسل إليه اثنين من تلاميذه قائلاً : أنت هو الآتي أم نترجى آخر ؟ قال لوقا : وفي تلك الساعة أبرأ كثيراً من الأمراض والأوجاع والأرواح الشريرة ووهب النظر لعميان كثيرين، فأجاب يسوع وقال لهما : اذهبا وأعلما يوحنا بما رأيتما وسمعتما، العميان يبصرون والعرج يمشون والبرص يتطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون، فطوبى لمن لا يشك فيّ فلما ذهب تلميذا يوحنا بدأ يسوع يقول للجمع من أجل يوحنا : لماذا خرجتم إلى البرية تنظرون - قال لوقا : قصبة تحركها الريح - أم لماذا خرجتم تنظرون ؟ إنساناً لابساً لباساً ناعماً ؟ إن اللباس الناعم يكون في بيوت الملوك، قال لوقا : فإن الذين عليهم لباس المجد والتنعم هم في بيوت الملوك - انتهى.
لكن لماذا خرجتم تنظرون ؟ نبياً ؟ نعم، أقول لكم : إنه أفضل من هذا الذي كتب من أجله : هوذا أنا مرسل ملكي أمام وجهك ليسهل طريقك قدامك، الحق أقول لكم إنه لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمد، والصغير في ملكوت السماء أعظم منه، وجميع الشعب الذي سمع والعشارون شكروا الله حيث اعتمدوا من معمودية يوحنا، فأما الفريسيون والكتاب


الصفحة التالية
Icon