صفحة رقم ٥٧٠
) هل يستطيع ربك ( بالياء مسنداً إلى الرب وبالتاء الفوقانية مسنداً إلى عيسى عليه السلام ونصب الرب، ومعناهما واحد يرجع إلى التهييج والإلهاب بسبب الاجتهاد في الدعاء بحيث تحصل الإجابة، وتكون هذه العبارة أيضاً للتلطف كما يقول الإنسان لمن يعظمه : هل تقدر أن تذهب معي إلى كذا ؟ وهو يعلم أنه قادر، ولكنه يكنى بذلك عن أن السائل يحب ذلك ولا يريد المشقة على المسؤول ) أن ينزل ) أي الرب المحسن إليك ) علينا مائدة ( وهي الطعام، ويقال أيضاً : الخوان إذا كان عليه الطعام، والخوان شيء يوضع عليه الطعام للأكل، هو في العموم بمنزلة السفرة لما يوضع فيه طعام المسافر بالخصوص، وهي من ماده - إذا أعطاه وأطعمه.
ولما كان هذا ظاهراً في أنها سماوية، صرحوا به احترازاً عما عوَّدهم به ( ﷺ ) من أنه يدعو بالقليل من الطعام فيبارك فيه فيمده الله فيكفي فيه القيام من الناس فقالوا :( من السماء ) أي لا صنع للآدميين فيها لنختص بها عمن تقدمنا من الأمم.
ولما كان المقصود من هذا وعظنا وإرشادنا إلى أن لا نسأل نبينا ( ﷺ ) شيئاً، اكتفاء بما يرحمنا به ربنا الذي رحمنا بابتدائنا بإرساله إلينا لإيصالنا إليه سبحانه، وتخويفاً من أن نكون مثل من مضى من المقترحين الذين كان اقتراحهم سببَ هلاكهم ؛ دل على ذلك بالنزوع من أسلوب الخطاب إلى الغيبة فقال مستأنفاً إرشاداً إلى السؤال من جوابهم :( قال ( ولم يقل : فقلت ) اتقوا الله ) أي اجعلوا بينكم وبين غضب الملك الأعظم الذي له الكمال وقاية تمنعكم عن الاجتراء على الاقتراح ) إن كنتم مؤمنين ) أي بأنه قادر وإني رسوله، فلا تفعلوا فعل من وقف إيمانه على رؤية ما يقترح من الآيات.
ولما كانت المعجزات إنما تطلب لإيمان من لم يكن آمن، وكان في هذا الجواب أتم زجر لهم، تشوف السامع إلى جوابهم فقيل : لم ينتهوا بل ) قالوا ( إنا لا نريدها لأجل إزالة شك عندنا بل ) نريد ( مجموع أمور :( أن نأكل منها ( فإنا جياع ؛ ولما ك ان التقدير : فتحصل لنا بركتها، عطف عليه :( وتطمئن قلوبنا ) أي بضم ما رأينا منها إلى ما سبق من معجزاتك من غير سؤالنا فيه ) ونعلم ) أي بعين اليقين وحقه أن قد صدقتنا ) أي في كل ما أخبرتنا به ) ونكون عليها ( وأشاروا إلى عمومها بالتبعيض فقالوا :( من الشاهدين ) أي شهادة رؤية مستعلية عليها بأنها وقعت، لا شهادة إيمان بأنها جائزة الوقوع ) قال عيسى ( ونسبه زيادة في التصريح به تحقيقاً ولأنه لا أب له وتسفيهاً لمن أطراه أو وضع من قدره فقال :( ابن مريم اللهم ( فافتتح دعاءه بالاسم الأعظم ثم بوصف الإحسان فقال :( ربنا ) أي أيها المحسن إلينا ) أنزل علينا ( وقدم المقصود فقال :( مائدة ( وحقق موضع الإنزال بقوله :( من السماء ( ثم وصفها بما