صفحة رقم ٥٧٧
أنالهم إياها، وقال ابن الزبير بعدما أسلفته عنه : فلما طلب تعالى المؤمنين بالوفاء فيما نقض به غيرهم، وذكّرهم ببعض ما وقع فيه النقض وما أعقب ذلك فاعله، وأعلمهم بثمرة التزام التسليم والمتثال، أراهم جل وتعالى ثمرة الوفاء وعاقبته، فقال تعالى
٧٧ ( ) وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أنت قلت للناس ( ) ٧
[ المائدة : ١١٦ ] إلى قوله - ) هذا يوم ينفع الصادقين ( - إلى آخرها.
فيحصل من جملتها الأمر بالوفاء فيما تقدمها وحالُ من حاد ونقض، وعاقبة من وفى، وأنهم الصادقون، وقد أمرنا أن نكون معهم
٧٧ ( ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( ) ٧
[ التوبة : ١١٩ ] - انتهى.
ولما كان سبحانه قد أمرهم أول السورة بالوفاء شكراً على ما أحل لهم في دنياهم، ثم أخبر أنه زاد الشاكرين منهم ورقاهم إلى أن أباحهم أجلّ النفائس في أخراهم، ووصف سبحانه هذا الذي أباحه لهم إلى أن بلغ في وصفه ما لا مزيد عليه، أخذ يغبطهم به فقال :( ذلك ) أي الأمر العالي لا غيره ) الفوز العظيم (.
ولما كان هذا الذي أباحه لهم وأباحهم إياه لا يكون إلا بأسباب لا تسعها العقول، ولا تكتنه بفروع ولا أصول، علل إعطاءه إياه وسهولته لديه بقوله مشيراً إلى أن كل ما ادعيت فيه الإلهية مما تقدم في هذه السورة وغيرها بعيد عن ذلك، لأنه ملكه وفي ملكه وتحت قهره :( الله ) أي الملك الذي لا تكتنه عظمته ولا تضعف قدرته، لا لغيره ) ملك السماوات ( بدأ بها لأنها أشرف وأكبر، وآياتها أدل وأكثر ) والأرض ( على اتساعهما وعظمهما وتباعد ما بينهما ) وما فيهن ) أي من جوهر وعرض.
ولما كان ذلك أنهى ما نعلمه، عمم بقوله :( وهو على كل شيء ) أي من ذلك وغيره من كل ما يريد ) قدير ( فلذلك هو يحكم ما يريد لأنه هو الإله وحده، وهو قادر على إسعاد من شاء وإشقاء من شاء، وإحلال ما شاء وتحريم ما شاء، والحكم بما يريد ونفع الصادقين الموفين بالعقود الثابتين على العهود، لأن له ملك هذه العوالم وما فيها مما ادعى فيه الإلهية من عيسى وغيره، والكل بالنسبة إليه أموات، بل موات جديرون بأن يعبر عنهم ب ( ما ) لا ب ( من )، فمن يستحق معه شيئاً ومن يملك معه ضراً أو نفعاً وقد انطبق آخر السورة على أولها كما ترى أي انطباق، واتسقت جميع آياتها أخذاً بعضها بحجز بعض أيّ اتساق ؛ فسبحان من أنزل هذا القرآن على أعظم البيان مخجلاً لمن أباه من الأمم، معجزاً لأصحاب السيف والقلم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
....


الصفحة التالية
Icon