صفحة رقم ٥٨
وختم الرزق الذي لا حساب فيه كان من الحق أن تظهر على المبشرين عزة البشرى فلا يتولوا غيره، ولما قبض ما بأيدي الخلق إليه في إيتاء الملك ونزعه والإعزاز والإذلال، وأظهر إحاطة قدرته على كل شيء وإقامة امتحانه بام أولج وأخرج، وأنبأ عن إطلاق حد العد عن أرزاقه فسد على النفس الأبواب التي منه تتوهم الحاجة إلى الخلق ؛ نهي المؤمنين الذين كانت لهم عادة بمباطنة بعض كفرة أهل الكتاب وغيرهم من المشركين ومن شمله وصف الكفر أن يجروا على عادتهم في موالاتهم ومصافاتهم والحديث معهم، لأن المؤمنين يفاوضونهم بصفاء، والكافرون يتسمعون ويأخذون منهم بدغل ونفاق عليهم كما قال تعالى
٧٧ ( ) هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ( ) ٧
[ آل عمران : ١١٩ ] فنهاهم الله سبحانه وتعالى عما غاب عنهم خبرته وطيبته فقال تعالى :( لا يتخذ المؤمنون ( على أن ولاية أوليائه من ولايته، وأن المنهي عنه إنما هو الولاية التي قد توهن الركون إلى المؤمنين لأن في ذلك - كما قال الحرالي - تبعيد القريب وتقريب البعيد، والبمؤمن أولى بالمؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام :( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) فأقواهم له ركن، وضعيفهم مستند لذلك الركن القوي، فإذا والاه قوى به مما يباطنه ويصافيه، وإذا اتخذ الكافر ولياً من دون مؤمنه القوي ربما تداعى ضعفه في إيمانهم إلى ما ينازعه فيه من ملابسة أحوال الكافرين، كما أنهم لما أصاخوا إليهم إصاخة أوقعوا بينهم سباب الجاهلية كما في قوله تعالى
٧٧ ( ) يايها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ( ) ٧
[ آل عمران : ١٠٠ ] وكما قال سبحانه وتعالى :
٧٧ ( ) يأيها الذين آمنوا إن تطعيوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ( ) ٧
[ آل عمران : ١٤٩ ]، ولم يمنع سبحانه وتعالى من صلة أرحام من لهم من الكافرين، ولا من خلطتهم في أمر الدنيا فيما يجري مجرى المعاملة من البيع والشرى والأخذ والعطاء وغير ذلك ليوالوا في الدين أهل الدين، ولا يضرهم أن يباروا من لم يحاربهم من الكافرين - انتهى.
ولما كان التقدير : فمن تولاهم وكل إليهم وكان في عدادهم، لأنه ليس من الراسخين في صفة الإيمان عطف عليه ترهيباً لمن قد تتقاصر همته فيرضى بمنزلة ما دون