صفحة رقم ٥٨٥
المناظر لمن يناظره : هب أن هذا على ما تقول.
يريد بذلك إذعان خصمه واستدعاءه للاعتبار حتى يكون غير مناظر له ما لا يعتقده، ليبني على ذلك مقصوده ليقلع خصمه وهو على يقين من أمره، فهذا ما ينبغي أن يعتمد هنا لقول يوسف عليه السلام
٧٧ ( ) ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ( ) ٧
[ يوسف : ٣٨ ]، فالعصمة قد اكتنفتهم عما يتوهمه المبطلون ويتقوله المفترون، ويشهد لما قلناه قوله تعالى :
٧٧ ( ) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ( ) ٧
[ الأنعام : ٨٣ ] فهذه حال من علت درجته من الذين يسمعون، فمن الخلق من جعله الله سامعاً بأول وهلة وهذا مثال شاف في ذلك، ومنهم الميت، و الموتى على ضربين : منهم من يزاح عن جهله وعمهه، ومنهم من يبقى في ظلماته ميتاً لا حراك به، يبين ذلك قوله تعالى :
٧٧ ( ) أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ( ) ٧
[ الأنعام : ١٢٢ ] ؛ ولما كانت السورة متضمنة جهات الاعتبار ومحركة إلى النظر ومعلنة من مجموع آيها أن المعتبر والمتأمل - وإن لم يكن متيقظاً بأول وهلة، ولا سامعاً أول محرك، ولا مستجيباً لأول سامع - قد ينتقل حاله عن جموده وغفلته إلى أن يسمع ويلحق بمن كان يتيقظ في أول وهلة ؛ ناسب تحريكُ العباد وأمرهم بالنظر أن تقع الإشارة في صدر السورة إلى حالتين : حالة السامعين لأول وهلة، وحالة السامعين في ثاني حال، فقيل :
٧٧ ( ) إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ( ) ٧
[ الأنعام : ٣٦ ] ولم تقع هنا إشارة غلى القسم الثالث مع العلم به، وهو الباقي على هموده وموته ممن لم يحركه زاجر ولا واعظ ولا اعتبار، ولأن هذا الضرب لو ذكر هنا لكان فيه ما يكسل من ضعفت همته، رجعت حالةُ ابتدائه، فقيل :( والموتى يبعثهم الله ( وأطلق ليعمل الكل على هذا البعث من الجهل والتيقظ من سِنة الغفلة كما دعا لكل إلى الله دعاء واحداً فقيل :( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ( ثم اختلفوا في إجابة الداعي بحسب السوابق هكذا، وردّ هذا ) والموتى يبعثهم الله ( إسماعاً للكل، وفي صورة التساوي مناسبة للدعاء لتقوم الحجة على العباد، حتى إذا انبسطت الدلائل وانشرحت الصدور لتلقيها وتشبثت النفوس وتعلقت بحسب ما قدر، وفاز بالخير أهله، قال تعالى بعد آي :
٧٧ ( ) أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس ( ) ٧
[ الأنعام : ١٢٢ ] وكان قد قيل لمن انتقل عن حالة الموت فرأى قدر نعمة الله عليه بإحيائه : هل يشبه الآن حالك النيرة - بما منحت حين اعتبرت - بحالك الجمادية ؟ فاشكر ربك واضرع إليه في طلب الزيادة، واتعظ بحال من لزم حال موته فلم تغن عنه الآيات، وهو المشار إليه بقوله :( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ( ) إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ( ) ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا