صفحة رقم ٥٩٣
العظمة، فأخبره أنه فاعل ذلك في سياق متكفل بتسليته، وأن ذلك لم يزل سنته فيمن فعل فعلهم، فقال - عاطفاً على قوله ) ) فسوف يأتيهم أنباؤا ( ) [ الأنعام : ٥ ] - :( ولقد ) أي هذا منهم إنما هو استهزاء بك ) ولقد استهزئ ) أي أوقع الهزء وأوجد من الأمم، وبني للمفعول لأن المنكي الاستهزاء، لا كونه من معين، وإشارة إلى أنه كان يقع لهم ذلك من الأعلى والأدني ) برسل (.
ولما كان القرب في الزمن في مثل هذا مما يسلي، وكان كل من الاستهزاء والإرسال لم يستغرق الزمن، أدخل الجار فاقل :( من قبلك ( فأهلكنا من هزأ بهم، وهو معنى ) فحاق ) أي فأحاط ) بالذين سخروا منهم ) أي من أولئك الرسل ) ما كانوا به يستهزئون ) أي من العذاب الذي كانوا يتوعدون به، وكان سبباً لهزئهم.
الأنعام :( ١١ - ١٣ ) قل سيروا في.....
) قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ( )
ولما علم الله تعالى أنهم يقولون في جواب هذا : إن هذا إلا أساطير الأولين، أمره ( ﷺ ) بعد ما مضى من التعجيب من كونهم لم ينظروا بقلوبهم أو أبصارهم مصارع الماضين في قوله :( ) ألم يروا كم أهلكنا ( ) [ الأنعام : ٦ ] أن يأمرهم بأن يشاهدوا مصارع من تمكن في قلوبهم علم أنهم أهلكوا بمثل تكذيبهم من قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم ليغنيهم ذلك عن مشاهدة ما اقترحوا فقال تعالى :( قل سيروا ) أي أوقعوا السير للاعتبار ولا تغتروا بإمهالكم وتمكينكم ) في الأرض ( - الآية، وهي كالدليل على قوله تعالى :( ) لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( ) [ الأنعام : ٦ ].
ولما كان السياق للتهديد بالتحذير من مثل أخذ الأمم الماضية، وكان قد سلف أنه لا تقدمهم عن آجالهم، أمهلهم في النظر فإنه أقوى في التهديد، وأدل على القدرة، وأدعى إلى النصفة ولا سيما والسورة من أوائل القرآن نزولاً وأوائله ترتيباً فقال :( ثم انظروا ( وأشار إلى أن هذا أهل لأن يسل عنه بقوله :( كيف كان عاقبة ) أي آخر أمر ) المكذبين ) أي أنعموا النر وبالغوا في التفكر وأطيلوا التدبر إذا رأيتم آثار المعذبين لأجل تكذيب الرسل، فإنكم إذا شاهدتم تلك الآثار كمل لكم الاعتبار وقوي الاستبصار، وذلك إشارة إلى أن الأمر في غاية الانكشاف، فكلما طال الفكر فيه ازداد ظهوراً.
ولما أمرم سبحانه بالسير، سألهم هل يرون في سيرهم وتطوافهم وجولانهم


الصفحة التالية
Icon