صفحة رقم ٥٩٨
ولما كان فعل المنهي قد لا يعذب عليه، قال معلماً بأن المخالفة في هذا من أبلغ المخالفات، فصاحبها مستحق لأعظم الانتقام، وكل ذلك فطماً لهم عن الطمع فيه، وأكده لذلك ولإنكارهم مضمونه :( قل إني ( ولما كان المقام للخوف، قدمه فقال :( أخاف إن عصيت ) أي شيء مما تريدون مني أن أوافقكم فيه بما أمرت به أو نهيت عنه ) ربي ) أي المحسن إليّ ) عذاب يوم ( ولما كان عظم الظرف بعظم مظروفه قال :( عظيم (.
ولما كان قد قدم من عموم رحمته ما أطمع الفاجر ثم أيأسه من ذلك بما أشير إليه من الخسارة، صرح هنا بما اقتضاه ذلك المتقدم، فقال واصفاً لذلك العذاب مبيناً أن الرحمة في ذلك اليوم على غير المعهود الآن، فإنها خاصة لا عامة دائمة السبوغ على من نالته، لا زائلة وكذا النعمة، هكذا شأن ذلك اليوم ) من يصرف عنه ) أي ذلك العذاب ؛ ولما كان المراد دوام الصرف في جميع اليوم، قال :( يومئذ ) أي يوم إذ يكون عذاب ذلك اليوم به ) فقد رحمه ) أي فعل به بالإنعام عليه فعل المرحوم ) وذلك ) أي لا غيره ) الفوز ) أي الظفر بالمطلوب ) المبين ) أي الظاهر جداً، ومن لم يصرف عنه فقد أهانه، وذلك هو العذاب العظيم.
ولما كان التقدير : فإن يصرف عنك ذلك العذاب فقد قرت عينك، عطف عليه دليلاً آخر لأنه لا يجوز في العقل أن يتخذ غيره ولياً، فقال معمماً للحكم في ذلك العذاب وغيره مبيناً أنه لا مخلص لمن أوقع به :( وإن يمسسك الله ) أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له ؛ ولما كان المقام للترهيب، قدم قوله :( بضر ) أي هنا أو هناك ) فلا كاشف له ( أصلاً بوجه من الوجوه ) إلا هو ) أي لأنه لا كفوء له، فهو قادر على إيقاعه، ولا يقدر غيره على دفاعه، لأنه على كل شيء قدير ) وإن يمسسك بخير ) أي في أي وقت أراد.
ولما كان القياس على الأول موجباً لأن يكون الجزاء : فلا مانع له، كان وصفه من صفة قوله ) فهو على كل شيء ) أي من ذلك وغيره ) قدير ( ولا يقدر غيره على منعه، منبهاً على أن رحمته سبحانه سبقت غضبه.


الصفحة التالية
Icon