صفحة رقم ٦٢١
أي لم يكن شيء فتنتهم إلاّ هذا القول، فهذا القول وحده فتنتهم، فنفى عن فتنتهم وسلب عنها كل شيء غير قولهم هذا، فالفتنة مقصورة على قولهم الكذب، والكذب قد يكون ثابتاً لغيرها، أي إنهم يكذبون من غير فتنة، بل في حال الرخاء، وهذا بعينه معنى قراءة ابن كثير وابن عامر وحفص برفع فتنة، أي لم تكن فتنتهم شيئاً غي ركذبهم، فقد نفيت فتنتهم عن كل شيء غير الكذب، فانحصرت فيه، ويجوز أن يكون ثابتاً في حال غيرها - على ما مر، وهذا التقدير نفيس عزيز الوجود دقيق المسلك - يأتي إن شاء الله تعالى عند
٧٧ ( ) وما كان صلاتهم عند البيت ( ) ٧
[ الأنفال : ٣٥ ] في الأنفال ما ينفع هنا فراجعه.
ولما كان هذا من أعجب العجب، أشار إليه بقوله :( انظر ( وبالاستفهام في قوله :( كيف كذبوا ( وبالإشارة إلى أنهم فعلوه مع علمهم بما انكشف لهم من الغطاء أنه لا يجديهم بقوله :( على أنفسهم ( وهو نحو قوله
٧٧ ( ) فيحلفون له كما يحلفون لكم ( ) ٧
[ المجادلة : ١٨ ] - الآية.
ولما كان قولهم هذا مرشداً إلى أن شركاءهم غابوا عنهم، فلم ينفعوهم بنافعة، وكان الإعلام بفوات ما أنهم مقبل عليه فرح به، ساراً لخصمه جالباً لغمه، صرح به في قوله :( وضل ) أي غاب ) عنهم ( إما حقيقة أو مجازاً، أو هما بالنظر إلى وقتين، ليكون إنكاراً ) ما كانوا يفترون ) أي يتعمدون الكذب في ادعاء شركته عناداً لما على ضده من الدلائل الواضحة.
ولما علم أن هذه الآيات قد ترابطت حتى كانت آية واحدة، وختم بأن مضمون قوله
٧٧ ( ) فقد كذبوا بالحق لما جاءهم ( ) ٧
[ الأنعام : ٥ ] - الآية، قد صار وصفاً لهم ثابتاً حتى ظهر في يوم الجمع، قسم الموسومين بما كانت تلك الآية سبباً له، وهو الإعراض عن الآيات المذكور في قوله
٧٧ ( ) إلاّ كانوا عنها معرضين ( ) ٧
[ الأنعام : ٤ ]، فكان كأنه قيل : فمنهم من أعرض بمليته، فعطف عليه قوله :( ومنهم من يستمع إليك ) أي يصغي بجهده كما في السيرة عن أبي جهل بن هشام وأبي سفيان بن حرب والأخنس بن شريق أن كلاًّ منهم جلس عند بيت النبي ( ﷺ ) في الليل يستمع القرآن.
لا يعلم أحد منهم بمجلس صاحبه، فلما طلع الفجر انصرفوا فضمهم الطريق فتلاوموا وقالوا : لو رآكم ضعفاؤكم لسارعوا إليه، وتعاهدوا على أن لا يعودوا، ثم عادوا تمام ثلاث ليال، ثم سأل الأخنس أبا سفيان عما سمع فقال : سمعت أشياء عرفتها وعرفت المراد منها، وأشياء لم أعرفها ولم أعرف المراد منها، فقال : وأنا كذلك، ثم سأل أبا جهل فأجاب