صفحة رقم ٦٢٣
لهم عما هددوا به، فأعلم نبيهم ( ﷺ ) أن حالهم إذ ذاك الإيمان، حيث يسر غاية السرور تصديقهم له، وتمنيهم متابعته لما يركبهم من الذل ويحيط بهم من الصغار، ولا يزيدهم ذلك إلاّ ضرراً وعمى وندماً وحسرة، فكأنه قيل : فلو رأيت حالهم عند كشف الغطاء - وهو المطلع - لرأيتهم يؤمنون :( ولو ترى إذ ) أي حين ) وقفوا ( في الحشر، وبني للمجهول لأن المنكىّ الإيقاف، لا كونه من معين ) على النار ) أي عندها ليدخلوها مشرفين على كل ما فيها من أنواع النكال، وذلك أعظم في النكاية أو على الجسر وهو على الصراط وهي تحتهم، أو عرفوا حقيقتها ومقدار عذابها من قولك : أوقفته على كذا - إذا عرفته إياه ) فقالوا ( تمنياً للمحال ) يا ليتنا نرد ) أي إلى الدنيا.
ولما كان التقدير بشهادة قراءة من نصب الفعلين - جواباً للتمني - أو أحدهما : فنطيع، عطف على الجملة قوله :( ولا ) أي والحال أنا لا، أو ونحن لا ) نكذب ( إن رددنا ) بآيات ربنا ) أي المحسن إلينا ) ونكون من المؤمنين ) أي الراسخين في الإيمان، والتقدير عند ابن عامر في نصب الثالث : ليتنا نرد، وليتنا لا نكذب فنسعد وأن نكون، وعلى قراءة حمزة والكسائي وحفص بنصب الفعلين : ليتنا نرد فنسعد، وأن لا نكذب وأن نكون، والمعنى : لو رأيت إيقافهم ووقوفهم في ذلك الذل والانكسار والخزي والعار وسؤالهم وجوابهم لرأيت أمراً هائلاً فظيعاً ومنظراً كريهاً شنيعاً، ولكنه حذف تفخيماً له لتذهب النفس فيه كل مذهب، وجاز حذفه للعلم به في الجملة.
ولما أخبرنا - في قراءة الرفع - عن أنفسهم بما تمنوا لأجله الرد، وتضمنت قراءة النصب الوعد، فإنه كما لو قال قائل : ليت الله يرزقني مالاً فأكافئك على صنيعك، فإنه ينجر إلى : إن رزقني الله مالاً كافأتك، فصار لذلك مما يقبل التكذيب، أضرب عنه سبحانه تكذيباً لهم بقوله :( بل ) أي ليس الأمر كما قالوا، لأن هذا التمني ليس عن حقيقة ثابتة في أنفسهم من محبة مضمونه وثمرته، بل ) بدا ) أي ظهر ) لهم ( من العذاب الذي لا طاقة لهم به ) ما كانوا يخفون ) أي من أحوال الآخرة ومرائهم على باطل ولما كان إخفاؤهم ذلك في بعض الزمان قال :( من قبل ) أي يدعون أنه خفي، بل لا حقيقة له، ويسترون ما تبديه الرسل من دلائله عناداً منهم مع أنه أوضح من شمس النهار بما يلبسون من الهيبة فلذلك تمنوا ما ذكروا ) ولو ردوا ) أي إلى الدنيا ) لعادوا لما نهوا عنه ) أي من الكفر والفضائح التي كانوا عليها وستر ما اتضح لعقولهم من الدلائل ) وإنهم لكاذبون ) أي فيما أخبروا به عن أنفسهم من مضمون تمنيهم أنهم يفعلونه لو ردوا، وأكد طبعهم على الكفر بقوله عطفاً على قوله ) لعادوا ( :( وقالوا ) أي بعد الرد ما كانوا يقولونه قبل الموت في إنكار البعث ) إن هي أي ما هذه الحياة التي نحن ملابسوها ) إلا حياتنا الدنيا ) أي التي كنا عليها قبل


الصفحة التالية
Icon