صفحة رقم ٦٢٩
الوعد بالنصر بشرط الصبر فقال :( حتى ) أي وامتد صبرهم حتى ) آتاهم نصرنا ( فليكن لك بهم أسوة، وفيهم مسلاة، فاصبر حتى يأتيك النصر كما أتاهم، فقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون في قولنا ) ) فإن حزب الله هم الغالبون ( ) [ المائدة : ٥٦ ] ) ولا مبدل لكلمات الله ) أي لأن له جميع العظمة فلا كفوء له، ودل سبحانه على صعوبة مقام الصبر جداً بالتأكيد فقال :( ولقد جاءك ( ودل على عظيم ما تحملوا بقوله :( من نبإى المرسلين ) أي خبرهم العظيم في صبرهم واحتمالهم وطاعتهم وامتثالهم ورفقهم بمن أرسلوا إليهم ونصرنا لهم على من بغى عليهم، ومجيء نبأهم تقدم إجمالاً وتفصيلاً، أما إجمالاً ففي مثل قوله ) ) وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير ( ) [ آل عمران : ١٤٦ ]، ) ) أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم ( ) [ البقرة : ٨٧ ] وأما تفصيلاً ففي ذكر موسى وعيسى وغيرهما ؛ وفي قوله ) فصبروا ( أدل دليل على ما تقدم من أن النهي عن الحزن نهي عن تابعه المؤدي إلى عدم الصبر، والتعبير بمن التبعيضية تهويل لما لقوا، فهو أبلغ في التعزية.
الأنعام :( ٣٥ - ٣٧ ) وإن كان كبر.....
) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( ( )
ولما سلاه بما هو في غاية الكفاية في التسلية، أخبره بأنه لا حيلة له غير الصبر، فقال عاطفاً على ما تقديره : فتسلّ واصبر كما صبروا، وليصغر عندك ما تلاقي منهم في جنب الله :( وإن كان كبر ) أي عظم جداً ) عليك إعراضهم ) أي عما يأتيهم به من الآيات الذي قدمنا الإخبار عنه بقولنا ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) [ الأنعام : ٤ ] وأردت أن تنتقل - في إخبارنا لك بأنه لا ينفعهم الآيات المقترحات - من علم اليقين إلى عين اليقين ) فإن استطعت أن تبتغي ) أي تطلب بجهدك وغاية طاقتك ) نفقاً ) أي منفذاً ) في الأرض ( تنفذ فيه إلى ما عساك تقدر على الانتهاء إليه ) أو سلماً في السماء ) أي جهة العلو لترتقي فيه إلى ما تقدر عليه ) فتأتيهم بآية ) أي ما اقترحوا عليك فافعل لتشاهد أنهم لا يزدادون عند إتيانك بها إلا إعراضاً كما أخبرناك، لأ الله قد شاء ضلال بعضهم، والمراد بهذا بيان شدة حرصه ( ﷺ ) على هدايتهم بأنه لو قدر على أن يتكلف النزول إلى تحت الأرض أو فوق السماء فيأتيهم بما يؤمنون به لفعل.
ولما كان هذا السياق ربما أوهم شيئاً في القدرة، نفاه إرشاداً إلى تقدير ما قدرته