صفحة رقم ٦٣٠
فقال :( ولو شاء الله ) أي الذي له العظمة الباهرة والقدرة الكاملة القاهرة ) لجمعهم على الهدى ) أي لأن قدرته شاملة، وإيمانهم في حد ذاته ممكن، ولكنه قد شاء افتقراقهم بإضلال بعضهم ؛ ولما كان ( ﷺ ) - بعد إعلام الله له بما أعلم من حكمه بأن الآيات لا تنفع من حتم بكفره - حريصاً على إجابتهم إلى ما يقترحونه رجاء جمعهم على الهدى لما طبع عليه من مزيد الشفقة على الغريب فضلاً عن القريب، مع ما أوصاه الله به ليلة الإسراء من غير واسطة - كما أفاده الحرالي - من إدامة الشفقة على عباده والرحمة لهم والإحسان إليهم واللين لهم وإدخال السرور عليهم، فتظافر على ذلك الطبع والإيصاء حتى كان لا يكف عنه إلا لأمر جازم أو نهي مؤكد صارم، سبب عن ذلك قوله :( فلا تكونن ( فأكد الكلام سبحانه ليعلم ( ﷺ ) أنه قد حتم بافتراقهم، فيسكن إلى ذلك ويخالف ما جبل عليه من شدة الشفقة عليهم ) من الجاهلين ) أي إنك أعلم الناس مطلقاً ولك الفراسة التامة والبصر النافذ والفكرة الصافية بمن لم تعاشره، فكيف بمن بلوتهم ناشئاً وكهلاً ويافعاً فلا تعمل بحجة ما أوصاك الله به من الصبر والصفح، وجبلك عليه من الأناة والحلم في ابتغاء إيمانهم بخلاف ما يعلم من خسرانهم، فلا تطمع نفسك فيما لا مطمع فيه، فإن ما شاءه لا يكون غيره، فهذه الآية وأمثالها - مما في ظاهره غلظة - من الدلالة على عظيم رتبته ( ﷺ ) ومن لطيف أمداح القرآن له - كما يبين إن شاء الله تعالى في سورة التوبة عند قوله تعالى
٧٧ ( ) عفا الله عنك ( ) ٧
[ التوبة : ٤٣ ].
ولما أفهم هذا القضاء الحتم أنه قد صار حالهم حال من حتم بالموت، فلا يمكن إسماعه إلا الله، ولا يمكن أن يستجيب عادة، قال :( إنما يستجيب ) أي في مجاري عاداتكم ) الذين يسمعون ) أي فيهم قابلية السمع لأنهم أحياء فيتدبرون حينئذ ما يلقى إليهم فينتفعون به، وهؤلاء قد ساووا الموتى في عدم قابلية السماع للختم على مشاعرهم ) والموتى ) أي كلهم حساً ومعنى ) يبعثهم الله ) أي الملك المحيط علماً وقدرة، فهو قادر على بعثهم بإفاضة الإيمان على الكافر وإعادة الروح إلى الهالك فيسمعون حينئذ، فالآية من الاحتباك : حذف من الأول الحياة لدلالة ) الموتى ( عليها، ومن الثاني السماع لدلالة ) يسمعون ( عليه.
ولما قرر أن من لا يؤمن كالميت، حثاً على الإيمان وترغيباً فيه، وقدر قدرته على البعث، خوَّفَ من سطواته بقوله :( ثم إليه ) أي وحده ) يرجعون ) أي معنى في الدنيا فإنه قادر على كل ما يشاء منهم، لا يخرج شيء من أحوالهم عن مراده أصلاً وحساً بعد الموت، فيساقون قهراً إلى موقف يفصل فيه بين كل مظلوم وظالمه.
ولما سلاه ( ﷺ ) فيما أخبرته من أقوالهم بما شرح صدره وسر خاطره، وأعلمه