صفحة رقم ٦٣٦
الأنعام :( ٤٢ - ٤٥ ) ولقد أرسلنا إلى.....
) وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُواْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإًّذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ( )
ولما أقام لهم بهذه الآية على توحيده الدليل حتى استنارت السبل في تذكيرهم أن التضرع قد يكشف ب البلاء، أخبرهم أن تركه يوجب الشقاء، ترغيباً في إدامته وترهيباً من مجانبته فقال :( ولقد أرسلنا ) أي بما لنا من العظمة ) إلى أمم ) أي أناس يؤم بعضهم بعضاً، وهم أهل لأن يقصدهم الناس، لما لهم من الكثرة والعظمة.
ولما كان المراد بعض الأمم، وهم الذين اراد الله إشهادهم وقص أخبارهم، أدخل الجار فقال :( من قبلك ) أي رسلاً فخالفوهم، وحسّن هذا الحذف كونه مفهوماً ) فأخذناهم ) أي فكان إرسالنا إليهم سبباً لأن أخذناهم بعظمتنا، ليرجعوا عما زين لهم الشيطان إلى ما تدعوهم إليه الرسل ) بالبأساء ( من تسليط القتل عليهم ) والضراء ( بتسليط الفقر والأوجاع ) لعلهم يتضرعون ) أي ليكون حالهم حال من يرجى خضوعه وتذلله على وجه بليغ، بما يرشد إليه - مع صيغة التفعيل - الإظهار، ولأن مقصودها الاستدلال على التوحيد، وعند الكشف للأصول ينبغي الإبلاغ في العبادة، بخلاف ما يأتي في الأعراف.
ولما لم يقع منهم ما أوجبت الحال رجاءه، تسبب عنه الإنكار عليهم، فقال معبراً بأداة التخصيص ليفيد مع النفي أنهم ما كان لهم عذر في ترك التضرع :( فلولا ) أي فهلا ) إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ( ولما كان معنى الإنكار أنهم ما تضرعوا قال :( ولكن قست قلوبهم ) أي فلم يذكروا ربهم أصلاً ) وزين لهم الشيطان ) أي بما دخل عليهم به من باب الشهوات ) ما كانوا يعملون ( من العظائم والمناكر التي أوجبها النكس بالرد أسفل سافلين ) فلما نسوا ما ذكروا به ) أي فتسبب - عن تركهم التذكير والأخذ بفائدته التي هي التخشع والتسكن، كما هو اللائق بهم لا سيما في تلك الحالة - أنا ) فتحنا ) أي بما يليق بعظمتنا ) عليهم أبواب كل شيء ) أي من الخيرات والأرزاق والملاّد التي كانت مغلقة عنهم ونقلناهم من الشدة إلى الرخاء، وذلك استدراجاً لهم، ومددنا زمانه وطوّلنا أيامه ) حتى إذا فرحوا ) أي تناهى بهم الفرح ) بما أوتوا ) أي معرضين عمن آتاهم هذا الرخاء بعد أن كان ابتلاهم بذلك، فعلم أنهم في غاية من الغباوة، لا يرتدعون بالتأديب بسياط البلاء، ولا ينتفعون ببساط المنة والرخاء، بل ظنوا أن البلاء عادة الزمان، والرخاء باستحقاقهم الامتنان، فعلم أن قلوبهم لا يرجى لها انتباه بحار ولا