صفحة رقم ٦٣٩
ولما قرن الأخذ بالبغت تارة صريحاً وتارة بإسقاط الكاف ؛ كان ربما وقع في وهم السؤالُ عن حالة الجهر، أتبع ذلك ذكره مفصلاً لما أجمل من الأحوال في الآيتين قبل فقال :( قل أرءيتكم ( ولما كان المعنى : أخبروني، وكان كأنه قيل : عما ذا ؟ قيل :( إن أتاكم عذاب الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال فلا يعجزه شيء ) بغتة ) أي بحيث لا يرى إلا ملتبساً بكم من غير أن يشعر به ويظهر شيء من أماراته، ) أو جهرة ) أي بحيث ترونه مقبلاً إليكم مقدماً عليكم ) هل (.
ولما كان المخوف بالذات هو الهلاك من غير نظر إلى تعيين الفاعل، بني للمفعول قوله :( يهلك ) أي في واحدة من الحالتين هلاكاً هو الهلاك، وهو هلاك السخط ) إلا القوم ) أي الذين لهم قوة المدافعة وشدة المقاتلة في زعمكم والمقاومة ) الظالمون ) أي بوضع الأشياء في غير مواضعها من إعطاء الشيء لمن لا يستحقه ومنع المستحق ما له، وأما المصلح فإنه ناج إما في الدارين وإما في الآخرة التي من فاز فيها فلا توى عليه ؛ وذكر أبو حيان أنه لما كان مطلق العذاب صالحاً لكل ما يعلم من تفاصيل أهواله وما لا يعلم، كان التوعد به أهول، فلذلك أكد فيه في الآيتين الخطاب بالضمير بحرف الخطاب، والتوعد بأخذ السمع وما معه من جملة الأنواع التي اشتمل عليها ذلك المطلق فأعري من حرف الخطاب.
ولما كان ذلك كله في مناضلة من كذب الرسل، وأعرض عما أرسلهم به ربهم من الآيات التي ما منها إلا ما آمن على مثله البشر، وطلبه منهم ما لا يقدر عليه إلا مرسلهم من الإتيان بغير ما أتوا به من الآيات ؛ بين لهم حقيقة الرسالة إشارة إلى ظلمهم في طلبهم من الرسل ما لا يطلب إلا من الإله، فقال عاطفاً على
٧٧ ( ) ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ( ) ٧
[ الأنعام : ٤٢ ] ) وما نرسل ) أي بما لنا من العظمة ) المرسلين ) أي نوجد هذا الأمر في هذا الزمان وكل زمان من الماضي وغيره ) إلا مبشرين ( لمن أطاع ) ومنذرين ( لمن عصى، عريقين في كل من الوصفين، لا مجيبين إلى ما يقترح الأمم، ولا معذبين لمن يعاندهم ؛ ثم سبب عن ذلك غاية الرسالة من النفع والضر فقال : فمن آمن وأصلح ) أي تصديقاً لإيمانه ) فلا خوف عليهم ) أي في الدنيا ولا في الآخرة، أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا الفانية فلأن خوفهم فيها يزيد أمنهم في الآخرة الباقية، فهو إلى فناء ثم إلى سرور دائم، فهو عدم ) ولا هم يحزنون ) أي حزناً يضر بحياتهم الأبدية.
ولما بين حال المصلحين، أتبعه حال المفسدين فقال :( والذين كذبوا بآياتنا ) أي حزناً يضر بحياتهم الأبدية.
ولما بين حال المصلحين، أتبعه حال المفسدين فقال :( والذين كذبوا بآياتنا ) أي على ما لها بنسبتها إلينا من العظمة ) يمسهم العذاب ) أي الدائم المتجدد، وكني عن


الصفحة التالية
Icon