صفحة رقم ٦٤٣
مستأنفاً :( ما عليك ( قدم الأهم عنده وهو تحمله ) من حسابهم ( وأغرق في النفي فقال :( من شيء ) أي ليس لك إلا ظاهرهم، وليس عليك شيء من حسابهم، حتى تعاملهم بما يستحقون في الباطن من الطرد إن كانوا غير مخلصين ) وما من حسابك ( قدم أهم ما إليه أيضاً ) عليهم من شيء ) أي وليس عليهم شيء من حسابك فتخشى أن يحيفوا عليك فيه على تقدير غشهم، أو ليس عليك من رزقهم شيء فيثقلوا به عليك، ومامن رزقك عليهم من شيء فيضعفوا عنه لفقرهم، بل الرازق لك ولهم الله ؛ ثم أجاب النفي مسبباً عنه فقال :( فتطردهم ) أي فتسبب عن أحد الشيئين طردك لهم ليقبل عليك الأغنياء فلا يكلفوك ما كان أولئك يكلفونك، وإن كلفتهم ما كان أولئك عاجزين عنه أطاقوه ؛ والحاصل أنه يجوز أن يكون معنى جملتي ) ما عليك من حسابهم ( - إلى آخرهما راجعاً إلى آية الكهف
٧٧ ( ) ولا تعد عينك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ( ) ٧
[ الكهف : ٢٨ ] فيكون المعنى ناظراً إلى الرزق، يعني أن دعاءك إلى الله إنما مداره الأمر الأخروي، فليس شيء من رزق هؤلاء عليك حتى تستنفر بهم وترغب في الآغنياء، ولا شيء من رزقك عليهم فيعجزوا عنه، وفي اللفظ من كلام أهل اللغة ما يقبل هذا المعنى ؛ قال صاحب القاموس وغيره : الحساب : الكافي ومنه
٧٧ ( ) عطاء حساباً ( ) ٧
[ النبأ : ٣٦ ] وحسّب فلان فلاناً : أطعمه وسقاه حتى شبع وروي.
وقال أبو عبيد الهروي : يقال : أعطيته فأحسبته، أي أعطيته الكفاية حتى قال : حسبي، وقوله
٧٧ ( ) يرزق من يشاء بغير حساب ( ) ٧
[ البقرة : ٢١٢ ] أي بغير تقتير وتضييق، وفي حديث سماك : ما حسبوا ضيفهم، أي ما أكرموه، وقال ابن فارس في المجمل : وأحسبته : أعطيته ما يرضيه، وحسّبته أيضاً، وأحسبني الشيء : كفاني.
ولما نهاه عن طردهم مبيناً أنه ضرر لغير فائدة، سبب عن هذا النهي قوله ) فتكون من الظالمين ) أي بوضعك الشيء في غير محله، فإن طردك هؤلاء ليس سبباً لإيمان أولئك، وليس هدايتهم إلا إلينا، وقد طلبوا منا فيك لما فتناهم بتخصيصك بالرسالة ما لم يخف عليك من قولهم
٧٧ ( ) لولا أنزل عليه ملك ( ) ٧
[ الأنعام : ٨ ] ونحوه مما أرادوا به الصرف عنك، فكما لم تقبلهم فيك فلا تقبلهم أنت في أوليائنا، فإنا فتناهم بك حتى سألوا فيك ما سألوا وتمنوا ما تمنوا ) وكذلك ) أي ومثل ما فتناهم بإرسالك ) فتنا ) أي فعلنا فعل المختبر قسراً بما لنا من العظمة ) بعضهم ببعض ( بالتخصيص بالإيمان والغنى والفقر ونحو ذلك ) ليقولوا ) أي إنكاراً لأن تفضل غيرهم عليهم احتقاراً لهم واستصغاراً ) أهؤلاء ) أي الذين لا يساووننا بل لا يقاربوننا في خصلة من خصال الدنيا ) منَّ الله ) أي على جلاله وعظمه ) عليهم ) أي وفقهم لإصابة الحق وما يسعدهم