صفحة رقم ٦٤٦
الأنهار والكنوز وإراحة الحياة، وتارة بالعذاب من إيقاع السماء عليهم كسفاً ونحو ذلك - ليس في يده ولا عنده تعين وقت نزوله، وأمره هنا أن يصرح لهم بالمباينة ويؤيسهم من الملاينة ما داموا على المداهنة، أمره بأن يخبرهم بما هو متمكن فيه من النور وما هم فيه من العمى بقوله :( قل إني ( وأشار إلى تمكنه في الأدلة الظاهرة والحجج القاهرة بحرف الاستعلاء فقال :( على بينة ) أي إن العدو إنما يصانع عدوه إما لعدم الثقة بالنصرة عليه وتعذيبه بعداوته، وإما العدم وثوقه بأنه على الحق، وأما أنا فواثق بكلا الأمرين ) من ربي ) أي المحسن إليّ بإرسالي بعد الكشف التام لي عن سر الملك والملكوت ) و ( الحال أنكم ) كذبتم به ) أي ربي حيث رددتم رسالته فهو منتقم منكم لا محالة.
ولما قيل ذلك، فرض أن لسان حالهم قال : فائتنا بهذه البينة فقال : إن ربي تام القدرة، فلا يخاف الفوت فلا يعجل، وأما أنا فعبد ) ما عندي ) أي في قدرتي وإمكاني ) ما تستعدلون به ) أي في قولكم ( امطر علنيا حجارة من السماء ) ونحوه حتى أحكم فيكم بما يقتضيه طبع البشر من العجلة ) إن ) أي ما ) الحكم ( في شيء من الأشياء هذا وغيره ) إلا الله ) أي الذي له الأمر كله فلا كفوء له، ثم استأنف قوله مبيناً أنه سبحانه يأتي بالأمر في الوقت الذي حده له على ما هو الأليق به من غير قدرة لأحد غيره على تقديم ولا تأخير فقال :( يقضُّ ) أي يفصل وينفذ بالتقديم والتأخير، وهو معنى قراءة الحرميين وعاصم ( يقص ) أي يقطع القضاء أو القصص ) لحق ( ويظهره فيفصله من الباطل ويوضحه، ليتبعه من قضى بسعادته، ويتنكب عنه من حكم بشقاوته ) وهو خير الفاصلين ( لأنه إذا أراد ذلك لم يدع لبساً لمن يريد هدايته، وجعل في ذلك الظاهر سبباً لمن يريد ضلالته ؛ ثم أكد ذلك لمن زاد قلبه في الجلافة مبيناً ما في غيره من وخيم العاقبة فقال :( قل لو أن عندي ) أي على سبيل الفرض ) ما تستعجلون به ) أي من العذاب ) لقضي ( وبناه للمفعول لأن المخوف إنما هو الإهلاك، لا كونه من معين ) الأمر بيني وبينكم ) أي فكنت أهلك من خالفني غضباً لربي بما ظهر لي منه من التكبر عليه، وقد يكون فيهم مَنْ كُتِبَ في ديوان السعداء، لكنه لم يكن الأمر إليّ لأني لا أعلم الظالم عند الله من غيره، فليس الأمر إلا إلى الله، لأنه أعلم بالمنصفين فينجيهم ) والله ) أي الذي له الكمال كله ) أعلم بالظالمين ) أي المكتوبين في ديوان الظلمة فيهلكهم.
ولما كانت هذه الآيات مثبتة لجزيئات من علمه تعالى وقدرته، وكان ختامها العلم بالظالم وغيره، أتبعها الاختصاص بما هو أعم من ذلك، وهو علم مفاتح الغيب الذي لا يصل إليه إلا من حازها، إذ لا يطلع على الخزائن إلا من فتحها، ولا يفتحها إلا من حاز