صفحة رقم ٦٥٥
لهم، وهذا كالتعليل لقوله
٧٧ ( ) إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ( ) ٧
[ الأنعام : ٥٦ ].
ولما ذكر عدم المنفعة في دعائهم، أشار إلى وجود الخسارة في رجائهم فقال :( ونرد ) أي برجوعنا إلى الشرك، وبناه للمفعول لأن المنكر الرد نفسه من أيّ راد كان ) على أعقابنا ) أي فنأخذ في الوجه المخالف لقصدنا فنصير كل وقت في خسارة بالبعد عن المقصود ) بعد إذ هدانا الله ) أي الذي لا خير إلا وهو عنده ولا ضر إلا وهو قادر عليه، إلى التوجه نحو المقصد، ووفقنا له وأنقذنا من الشرك.
ولما صور حالهم، مثَّلَه فقال :( كالذي ) أي نرد من علو القرب إلى المقصود إلى سفول البعد عنه رداً كرد الذي ) استهوته ) أي طلبت مزوله عن درجته ) الشياطين ( فأنزلته عن أفق مقصده إلى حضيض معطبه، شبه حاله بحال من سقط من عال في مهواة مظلمة فهو في حال هويه في غاية الاضطراب وتحقق التلف والعمى عن الخلاص ) في الأرض ( حال كونه ) له ) أي هذا الذي هوى ) أصحاب ) أي عدة، ولكنه لتمكن الحيرة منه لا يقبل ) يدعونه إلى الهدى ( وبين دعاءهم بقوله :( ائتنا ( وهو قد اعتسف المهمة تابعاً للشياطين، لا يجيبهم ولا يأتيهم لأنه قد غلب على نفسه، وحيل بينه وبين العبر والنزوان.
ولما كان هذا مما يعرفونه وشاهدوه مراراً، وكانوا عالمين بأن دعاء أصحابه له في غاية النصيحة والخير، وأنه إن تبعهم نجا، وإلا هلك هلاكاً لا تدارك له، فكان جوابهم : إن دعاء أصحابه به لهدى، بين أنه مضمحل تافه جداً بحيث إنه يجوز أن يقال : ليس هدى بالنسبة إلى هذا الذي يدعوهم إليه، بقوله :( قل إن هدى الله ) أي المستجمع لصفات الكمال ) هو ) أي خاصة ) الهدى ) أي لا غيره كدعاء أصحاب المستهوي، بل ذاك الهدى مع إنقاذه من الهلاك إلى جنب هذا الهدى كلا شيء، لأن الشيء هو الموصل إلى سعادة الأبد.
ولما كان التقدير : فقد أمرنا أن نلزمه ونترك كل ما عداه، عطف عليه أمراً عاماً فقال :( وأمرنا لنسلم ) أي ورد علينا الأمر ممن لا أمر لغيره بكل ما يرضيه لأن نسلم بأن نوقع الإسلام وهو الانقياد التام فنتخلى عن كل هوى، وأن نقيم الصلاة بأن نوقعها بجميع حدودها الظاهرة والباطنة فنتحلى بفعلها أشرف حلى ) لرب العالمين ) أي لإحسانه إلى كل أحد بكل شيء خلقه ؛ ثم فسر المأمور به، فكأنه قال : أن أسلموا ) وأن أقيموا الصلاة ( لوجهه ) واتقوه ( مع ذلك، أي افعلوها لا على وجه الهزء