صفحة رقم ٦٥٨
بينه في قراءة الجر بقوله :( آزر ( وناداه في قراءة يعقوب بالضم ؛ قال البخاري في تاريخه الكبير : إبراهيم بن آزره وهو في التوراة : تارح - انتهى - وقد مضى ذلك عن التوراة في البقرة، فلعل أحدها لقب، وكان أهل تلك البلاد وهم الكلدانيون، ويقال لهم أيضاً الكسدانيون - بالمهملة موضع اللام - يعتقدون إلهية النجوم في السماء والأصنام في الأرض ويجعلون لكل نجم صنماً، إذا أرادوا التقرب إلى ذلك النجم عبدوا ذلك الصنم ليشفع لهم - كما زعموا - إلى النجم، فقال عليه السلام لأبيه منكراً عليه منبهاً له على ظهور فساد ما هو مرتكبه :( أتتخذ ) أي أتكلف نفسك إلى خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى بأن تجعل ) أصناماً آلهة ) أي تعبدها وتخضع لها ولا نفع فيها ولا ضر، فنبهه بهذا الإنكار على أن معرفة بطلان ما هو متدين به لا يحتاج إلى كثير تأمل، بل هو أمر بديهي أو قريب منه، فإنهم يباشرون أمرها بجميع جوانبهم ويعلمون أنها مصنوعة وليست بصانعة، وكثرتها تدل على بطلان إلهيتها بما أشار إليه قوله تعالى
٧٧ ( ) لو كان فيهما آلهة " لا الله لفسدت ( ) ٧
[ الأنبياء : ٢٢ ].
ولما خص بالنصيحة أقرب الخلق إليه، عم بقية أقاربه فقال :( إني إراك وقومك ) أي في اتفاقكم على هذا ) في ضلال ) أي بُعد عن الطريق المستقيم ) مبين ) أي ظاهر جداً ببديهة العقل مع مخالفته لكل نبي نبأه الله تعالى من آدم عليه السلام فمن بعده، فهو مع ظهوره في نفسه مظهر للحق من أن الإله لا يكون إلا كافياً لمن يعبده، وإلا كان فقيراً إلى تأله كم يكفيه.
ولما كان كأنه قيل : بصرنا إبراهيم عليه السلام هذا التبصير في هذا الأمر الجريء من بطلان الأصنام، قال عاطفاً عليه :( وكذلك ) أي ومثل هذا التبصير العظيم الشأن، وحكى الحال الماضية بقوله :( نري ) أي بالبصر والبصيرة على مر الزمان وكر الشهور والأعوام إلى ما لا آخر له بنفسه والصلحاء من أو لاده ) إبراهيم ملكوت ) أي باكن ملك التوحيد فيعلم أن كل من عبد غير الله صنم وغيره من قومه وغيرهم في ضلال، كما علم دلك في قومه في الأصنام ) وليكون من الموقنين ) أي الراسخين في وصف الإيقان في أمر التوحيد كله بالنسبة إلى جميع الجزئيات لما أريناه ببصره وبصيرته، فتأمل فيه حتى وقع فيه بعد علم اليقين على عين اليقين بل حق اليقين.
ولما كانت الأمور السماوية مشاهدة لجميع الخلق : دانيهم وقاصيهم، وهي أشرف