صفحة رقم ٦٦٢
وهو أنها لا تقدر على شيء :( إلا أن يشاء ربي ( المحسن إليّ في حال الضر كما هو محسن في حال النفع ) شيئاً ) أي من تسليطها بأنفسها أو باتباعها، لأنه قادر على ما يريد، فإن أراد أنطق الجماد وأقدره، وأخرس الناطق الفصيح وأعجزه، فأنا لا أخاف في الحقيقة غيره.
ولما كان هذا في صورة التعليق، وكان التعليق وما شابهه من شأنه أن لا يصدر إلاّ من متردد، فيكون موضع إطماع للخصم فيه، علله بما أزال هذا الخيال فقال :( وسع ربي كل شيء علما ) أي فأحاط بكل شيء قدرة، فهو إذا أراد إقدار العاجز أزال عنه كل مانع من القدرة، وأثبت له كل مقتض لها، وذلك ثمرة شمول العلم - كما سيأتي برهانه إن شاء الله تعالى في سورة طه، فالمراد أني ما تركت الجزم لشك عندي، وإنما تركته لعدم علمي بالعواقب إعلاماً بأن تلك رتبة لا تصلح إلاّ لله الذي وسع علمه كل شيء، وأدل دليل على هذا اتباعه له بإنكاره عليهم عدمَ الإبلاغ في التذكر بقوله مظهراً تاء التفعل إشارة إلى أن في جبلاتهم أصل التذكر الصاد عن الشرك :( أفلا تتذكرون ) أي يقع منكم تذكر، فتميزوا بين الحق والباطل بأن تذكروا مآلكم من أنفسكم بأن من غاب عن مربوبه فسد أو كاد، وأن هذه الجمادات لا تنفع ولا تضر، وأنها مصنوعكم، وتعجب منهم في ظنهم خوفه من معبوداتهم بقوله منكراً :( وكيف أخاف ما أشركتم ) أي من دون الله من الأصنام وغيرها مع أنها لا تقدر على شيء ) ولا ) أي والحال أنكم أنتم لا ) تخافون أنكم أشركتم بالله ) أي المستجمع لصفات العظمة والقدرة على العذاب والنقمة.
ولما كان له سبحانه أن يفعل ما يشاء قال :( ما لم ينزل به ) أي بإشراكه ؛ ولما كان المقام صعباً لأنه أصل الدين، أثبت الجار والمجرور وقدمه فقال :( عليكم سلطاناً ) أي حجة تكون مانعة من إنزاله الغضبَ بكم، والحاصل أنه عليه السلام أوقع الأمن في موضعه وهم أوقعوه في موضع الخوف، فعجب منهم لذلك فبان أن هذا وقول شعيب عليه السلام في الأعراف
٧٧ ( ) وما يكون لنا أن نعود فيها إلاّ أن يشاء الله ربنا ( ) ٧
[ الأعراف : ٨٩ ] - الآية، وقوله تعالى في الكهف
٧٧ ( ) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلاّ أن يشاء الله ( ) ٧
[ الكهف : ٢٤ ] من مشكاة واحدة ؛ ولما كان المحذور المنفي هنا إنما هو خوف الضرر من آلهتهم، وكان حصول الضرر لمخالفها بواسطة أتباعها أو غيرهم من سنن الله الجارية في عباده، اقتصر الخليل عليه السلام على صفة الربوبية المقتضية للرأفة والرحمة والكفاية والحماية، وقد وقع في قصته الأمران : إمكانهم من أسباب


الصفحة التالية
Icon