صفحة رقم ٧٤
عند خبيب بن عدي الأنصاري رضي الله تعالى عنه قطف العنب - كما سيأتي في آخر المائدة، ومثل لك كثير في ههذ الأمة، وفي هذه العبارة أي من أولها إلاحة لمعنى حسن كفالته وأنه كان يتفقدها عند تقدير حاجتها إلى الطعام بما تفيده كلمة ) كلما ( من التكرار، فيجد الكفيل الحق قد عاجلها برزق من غيب بما هو سبحانه وتعالى المتولي لإنباتها ليكون نباتها من غيب رزقه فتصلح لنفخ روحه ومستودع كلمته، ولا يلحقها بعد الإعاذة ما فيه مس من الشيطان الرجيم الذي أعاذها الله سبحانه وتعالى منه بكثرة الاختلاط في موجودات الأرزاق، فكان من حفظها أن تولى الله سبحانه وتعالى أرزاقها من غيب إلا ما يطيبه من باد، وليكون حسن نباتها من أحسن رزق الله سبحانه وتعالى كما يقال : من غذي بطعام قوم غذي بقلوبهم ومن غذي بقلوبهم آل إلى منقلبهم، وكانت هي مثل ما كفلها كافلها ظاهراً كفلته باطناً حين أبدى الله سبحانه وتعالى له من أمره ما لم يكن قبل بداً له، فكان لمريم عليها الصلاة والسلام توطئة في رزقها لما يكون كماله في حملها فيكون رزقها بالكلمة ابتداء ليكون حملها بالكلمة، فعند ذلك طلب زكريا عليه السلام نحو ما عاين لها من أن يرزقه الولد في غير إبّانه كما رزق مريم الرزق في غير أوانه، وفي تعيين محلها بالمحراب ما يليح معنى ما ذكر من رجوليتها باطناً من حيث إن محل النساء أن يتأخرن فأبدى الله سبحانه وتعالى في محلها ذكر المحراب إشارة بكمالها، والمحراب صدر البيت المتخذ للعبادة، ويف لزومها لمحرابها في وقت تناول الرزق إعلام بأن الحبيس والمعتكف بيته محرابه ومحرابه بيته، بخلاف من له متسع في الأرض ومحل من غير بيت الله، إنما المساجد بيوت أهل الله المنقطعين إليه، فهو محلهم في صلاتهم ومحلهم في تناول أرزاقهم، ففيه إشعار بحضورها، وحضور أهل العكوف حضور سواء في صلاتهم وطعامهم، ولذلك أنمى حال العبد عند ربه بما هو عليه في حال تناوله طعامه وشرابه، فأهل الله سبواء محياهم ومماتهم وأكلهم وصلاتهم، من غفل عند طعامه قلبه لم يستطع أن يحضر في صلاته قلبه، ومن حضر عند طعامه قلبه لم يغب في صلاته قلبه، وفي ذكر الرزق شائعاً إشعار بأنها أنواع من أرزاق من حيث إنه لو اختص يخص به ما هو أخص من هذا الاسم - انتهى.
ولما كان كأنه قيل : فام كان يقول لاه إذا رأى ذلك ؟ قيل : كان كلما وجد ذلك، أو : لما تكرر وجدانه لذلك ) قال يا مريم أنّى ) أي من أين ) لك هذا ( قال الحرالي : كلمة أنى تشعر باستغرابه وجود ذلك الرزق من وجوه مختلفة : من جهة الزمان أنه ليس زمانه، ومن جهة المكان أنه ليس مكانه، ومن جهة الكيف ووصوله إليها أنه ليس حاله، وفي ذكر الضمير في قوله :( قالت هو من عند اله ( إيذان بنظرها إلى مجموع حقيقة


الصفحة التالية
Icon