صفحة رقم ٩٣
) لآية لكم ) أي أيها المشاهدون على أني عبد الله ومصطفاه، فلا تهلكوا في تكويني من أنثى فقط فتطروني، فإني لم أعمل شيئاً منها إلا ناسباً له إلى الله سبحانه وتعالى وصانعاً فيه ما يؤذن بالحاجة المنافية للإلهية ولو بالدعاء، وأفرد كاف الخطاب أولاً لكون ما عده ظاهراً لكل أحد على انفراده أنه آية لجميع المرسل إليهم، وكذا جمع ثانياً قطعاً لتعنت من قد يقول : إنها لا تدل إلا باجتماع أ، ظار جميعهم - لو جمع الأول، وإنها ليست آية لكلهم بل لواحد منهم - لو وحد في الثاني، ولما كانت الآيات لا تنفع مع المعاندات قال :( إن كنتم مؤمنين ) أي مذعنين بأن الله سبحانه وتعالى قادر على ما يريد، وأهلاً لتصديق ما ينبغي التصديق به.
زلما كان ترجمة ) إني قد جئتكم ( آتياً إليكم بآية كذا، مصدقاً بها لما أتيت به، عطف على الحال المقدر منه تأكيداً لأنه عبد الله قوله :( ومصدقاً لما بين يدي ) أي كان قبل إتياني إليكم ) من التوراة ) أي المنزلة على أخي موسى عليه الصلاة والسلام، لأن القبلية تقتضي العدم الذي هو صف المخلوق ؛ أو يعطف على ) بآية ( إذا جعلنا الباء للحال، لا للتعدية، أي وجئتكم مصحونباً بآية ومصدقاً.
ولما ذكر التوراة أتبعها ما يدل على أنه ليس كمن بينه وبين موسى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في إقرارها كلها على ما هي عليه وتحديد أمرها على ما كان زمن موسى عليه الصلاة والسلامن بل هو مع تصديقها ينسخ بعضها فقال :( ولأحل ) أي صدقتها لأحثكم على العمل بها ولأحل ) لكم بعض الذي حرم عليكم ) أي فيها تخفيفاً عليكم ) وجئتكم ( آية ليس مكرراً لتأكيد :( أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين ( على ما توهم، بل المعنى - والله سبحانه وتعالى أعلم - أن عيسى عليه الصلاة والسلام لما أتاهم بهذه الخوارف التي من جملتها إحياء الموتى، وكان من المقرر عندهم - كما ورد في الأحاديث الصحيحة - التحذير من الدحال، وكان من المعلوم من حاله أنه يأتي بخوارق، منها إحياء ميت ويدعى الإلهية، كان من الجائز أن يكون ذلك سبباً لشبهة تعرض لبعض الناس، فختم هذا الدليل على رسالته بما هو البرهان الأعظم على عبوديته، وذلك مطابقته لما دعا إليه الأنياء والمرسلون كلهم من إخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى فقال : وجئتكم ) بآية ) أي عظيمة خارقة للعادة ) من ( عند ) ربكم ) أي المحسن إليكم بعد التفرد بخلقكم، وهي أجل الأمارات وأدلها على صدقي في رسالتي، هو عدم تهمتي بوقوع شبهة في عبوديتي.
ولما تقرر بذكر الآية مرة بعد مرة مع ما أفادته من تأسيس التفصيل لأنواع الآيات تأكيد رسالته تلطيفاً لطباعهم الكثيفة، فينقطع منها كانت ألفته في الأزمان المتطاولة من


الصفحة التالية
Icon