صفحة رقم ١٨٤
والضعيف سواء، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم، لتجتمع كلمتم فيشتد أمركم ويقوى أزركم فتقدروا على إقامة الدين وقمعالمفسدين ) واطيعوا الله ) أي الذي له جميع العظمة ) ورسوله ) أي الذي عظمته من عظمته في كل ما يأمرانكم به من تنتقل لمن يراه وإنفاذ شرط ووفاء عهد لمن عاهده.
ولما أمر ونهى هيج وألهب فقال مبيناً كون الإيمان مستلزماً للطاعة :( إن كنتم مؤمنين ) أي صادقين في دعوى الإيمان، فليس كل من يدعي شيئاً يكون صادقاً في دعواه حتى يحصل البيان بالامتحان، ولذلك وصل به قوله مؤكداً غاية التأكد لأن التخلص من الأعراض الدنيوية عسر :( إنما المؤمنون ) أي الراسخون في وصف الإيمان ) الذين ( اي يقيمون الدليل على دعوى الإيمان بتصديق أفعالهم لأقوالهم فيكونون ) إذا ذكرالله ) أي الجامع لصفات الكمال من الحجلال والجمال مجرد ذكر في نحو قوله ) الأنفال لله ( ) وجلت ) أي خافت خوفاً عظيماً يتخلل صميم عظامهم ويجول في سائر معانيهم وأجسامهم ) قلوبهم اي بمجرد ذكره استعظاماً له ) وإذا تليت ) أي قرئت على سبيل الموالادة والاتصال من ايّ تال كان ) عليهم آياته ) أي كما يأتي في غقامة الأدلة على ذلك الحكم الذي ورد ذكره فيه ) زادتهم إيماناً ( اي بإيمانهم بها وبما حصل لهم من نور القلب وطمأنينة اليقين بسببها، فإنها هي الدالة على الله بما تبين من عظيم أفعاله ونعوت جلاله وجماله، وتظاهر الأدلة اقوى للمدلول عليه، كمال قدرة الله تعالى إنما يعرف بواسطة آثار حكمته في مخلوقاته، وذلك بحر لا ساحل له، ولما كانت المراتب لا نهاية لها، كانت مراتب التجلي والمعرفة لا نهاية لها، فالزيادة في أشخاص التصديق ) وعلى ) أي والحال أنهم على ) ربهم ) أي الدائم الإحسان إليهم وحده ) يتوكلون ) أي يجددون إسناد أمورهم إليه مهما وسوس لهم الشيطان بالفقرة أو غيره ليكفيهم من حيث لا يحتسبون، فغن خزائنه واسعة، ويده سحاء الليل والنهار، كما انهم لما توكلوا عليه في القتال نصرهم وقد كانوا في غاية الخوف من الخذلان، وكان حالهم جديراً بذلك لقلقهم وخوفهم وقتلهم وضعفهم.
ولما وصفهم بالإيمان الحامل على الطاعة والتوكل الجامع لهم الدافع للمانع منها، منتقلاً من عمل الباطن إلى عمل الظاهر مبيناً ان همتهم إنما هي العبادة والمكارم :( الذين يقيمون الصلاة ) أي يفترون عن تجديد ذلك ؛ ولما كانت صلة بين الخلق والخالق، أتبعها الوصلة بين الخلائق فقال :( ومما رزقناهم ) أي على عظمتنا وهو لنا دونهم ) ينفقون ( ولو كانوا مقلين اعتماداً على ما عندنا فالإنفاق وإهانة الدنيا همتهم، لا الحرص عليها، فحيمئذ يكونون كالذين عند ربك في التحلي بالعبادة والتخلي